بعد سلسلة من الأعمال الإرهابية التي نفذها مجرمو «داعش» في عواصم عربية وأوروبية، جاء مقتل الكاهن الفرنسي (86 سنة) أخيراً في سانت إتيان دو روفاري، ليُشكّل صدمةً إنسانية تجاوز عبرها المتطرفون كلّ الخطوط الحمراء، ما دفع بالكاتب المغربي الفرنكوفوني الطاهر بن جلّون، إلى كتابة مقال في صحيفة «لوموند» الفرنسية (السبت 30 تموز - يوليو) يدعو فيه الهيئات الدينية الإسلامية إلى شجب هذه الأعمال ووضع حلٍّ لهذا التطرّف المريع. ومما جاء في المقال: «الإسلام جمعنا في منزل واحد، في أمّة. شئنا أم أبينا، نحن ننتمي جميعاً إلى هذه الروح العليا التي تحتفي بالسلام والأخوّة. ففي كلمة «إسلام»، نقرأ جذر كلمة «سلام». لكنّ هذا الوجه امحّى كلياً، مع داعش واستحال عنفاً ووحشية. (...) مفهوم السلام الذي يحمله الدين الإسلامي تجاوزته مجموعة أشخاص خانوا العقيدة ومزقوها زاعمين أنهم ينتمون إلى منزلنا الذي هدموه وأرادوا إعادة بنائه على أسس الانعزال والكره والتعصّب. لذلك هم لجأوا إلى قتل الأبرياء. علماً أنّ لا دين يسمح بمثل هذا التحوّل، هذه القسوة. خط أحمر تمّ تجاوزه أخيراً. دخلوا كنيسة، في مدينة صغيرة في النورموندي، اختطفوا عجوزاً، كاهناً أعزل، ذبحوه كنعجة نافلة، ثم تركوه غارقاً في دمائه، وراحوا يصرخون باسم داعش. إن أردنا أن نقرأ هذا المشهد فنقول إنّه إعلان حرب. حرب الأديان. وكلنّا يعلم كم تدوم وكيف تنتهي. النهاية بشعة، وسيئة جداً. لذا، فبعد مجزرة 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، ثم مجزرة نيس المفجعة، وجرائم فردية أخرى، أقول إنّ على الطائفة الإسلامية، أنتم، أنا، أولادنا، جيراننا، مؤمنين أو غير مؤمنين، ممارسين أم غير ممارسين، علينا جميعاً أن نتحرّك. لا ينبغي الاكتفاء بالاستنكار اللفظي والسخط مرّة أخرى بتكرار العبارة عينها «هذا ليس الإسلام». لم يعد هذا كافياً، ولا مجدياً، وشيئاً فشيئاً سيفقد العالم ثقته بنا ولن يُصدّق ما نقوله بأن الإسلام هو دين السلام والتسامح. لن يكون في إمكاننا أن ننقذ الإسلام، أو الأصحّ أننا لن نتمكن في ما بعد، لو استمرّت الحال على ما هي عليه، لن نُعيد الدين إلى أطره الصحيحة ونضعه في سياقه التاريخي الذي يتعارض مع قتل الأبرياء وذبح كاهن مسيحي عجوز، والاعتداء على مواطنين عزّل، إن لم نخرج بأعداد كبيرة إلى الشوارع ونتوحد، على اختلافاتنا، حول رسالة واحدة: «أطلقوا الإسلام من مخالب داعش». نحن خائفون لأننا غاضبون، لكنّ غضبنا هو بداية ثورتنا. الثورة من أجل تحويل جذري في صورة الإسلام في أوروبا. وإذا كانت هذه القارة احتضنتنا في يوم من الأيام، فلأنها كانت في حاجة إلى قوتنا. وإذا كانت فرنسا قررت لمّ شمل الأسرة في العام 1975، فلكي تعطي الهجرة وجهاً إنسانياً. لذا فعلينا التكيّف مع قوانين الجمهورية وحقوقها. علينا أن نتبرأ من كلّ العلامات المستفزة. ليس من حقنا أن ننشئ «مجرمين» في جوّ من التعصب الذي يقودهم في ما بعد إلى أحضان داعش. ويجب أن نفعل ذلك كي ننقذ أنفسنا أيضاً، لأنّ المسلمين هم أيضاً موجودون من بين ضحايا اعتداءات داعش في كل مكان. علينا أن نتحلّى بهذه اليقظة، الآن. وإذا بقينا على حالنا، نتفرّج بلا حراك على ما يحصل باسم الإسلام، فإننا سنغدو عما قريب كأننا مشاركون في هذه الجرائم. إمّا أن نتحرّك ونُعلن انتماءنا إلى أمة الإسلام الحقيقية، الخيّرة، أو أن نحمل حقائبنا ونعود إلى ديارنا».