الأسبوع الماضي استضاف أحد الأندية الأدبية مسؤولا للحديث عن تجربته في الشؤون البلدية من على منبر النادي الأدبي! هذا النموذج يرسخ لدينا حقيقة بأنه لايوجد لدينا ارتباك في المشهد الثقافي فقط، بل أيضا غموض وعجز عن تشغيل المؤسسات الثقافية بالشكل الذي يخدم الثقافة المحلية ويثريها. من ناحية أخرى باقة البرامج الثقافية التي تقدمها رؤية 2030 شاهقة وثرية، مجمع ملكي للفنون، قاعة أوبرا، صالات مسارح وسينما. وبين المشهدين نشعر أن الثقافة ما برحت أسيرة حيزها النخبوي، بينما هناك طرف ثالث مغيب عن المشهد، وهو المتلقي أو جمهور يعي بعمق دورها الحضاري فيجعل منها ممارسة مجتمعية محتفى بها.. فمهما كان النشاط الثقافي نخبويا، ولكن وحدها القاعدة الشعبية هي التي ترسخه وتثبته وتعطيه دعما يناهض عبره المتوحش والمتطرف والمتصحر في المجتمع. القاعدة الشعبية للفنون هي التي ستحمي هذا الفن من طفرات المتطرفين، وهي التي ستنهض في وجه العواصف الرملية وتشجر وتخصب الحقول التي تجتاح الفضاء العام فتطمس الصوت واللون والأداء لحساب أحادية لون الكثبان الرملية. القاعدة الشعبية هي التي ستدرج تذوق الفنون والآداب إلى جدول العائلة الأسبوعي، وهو الأمر لذي سيدير عجلة اقتصادات الثقافة، ويجعلها قادرة على التمدد والاتساع وتطوير نفسها. لذا المؤسسات الثقافية من الصعب أن تقوم بدورها حتى أقصاه وهي داخل صوامع مغلقة تتحدث فيها النخب لبعضها البعض. وسر نجاح مهرجان الجنادرية رغم المقاومة التي وجدها من المتطرفين، هو حصانتها الشعبية وقاعدتها المجتمعية التي أصرت على الحضور والدعم والاشتراك ببهجة الصوت واللون والموسيقى.. رغم كل ما قيل وسيقال. الفضاء المجتمعي المحتفي بالفنون والآداب منذ مراحل باكرة عبر مفكرة تعاون بين وزارة الثقافة والمؤسسات التعليمية، وعبر أكاديميات فنية كبرى تصقل المواهب وتحصن الممارسة الفنية عن الرخيص والمبتذل والخليع، وتسمو به إلى منزلة المهيب الجميل فتحميه من نفسه والدخلاء عليه أيضا هي التي ستكون قاعدة اجتماعية شاسعة تجد في الفنون ممارسة حضارية جوهرية ضد البدائية والتطرف، وهي التي ستخصب الحقول وترفع الأخضر في وجه هجمات الطمس والإلغاء. omaimakhamis@yahoo.com 293