لم يسلم الدكتور عصام حجي، عالم الفضاء المصري المستشار العلمي برئاسة الجمهورية سابقاً، من النقد، إلى حد التخوين، بعد ما أعلن عنه في برنامج "بتوقيت مصر" على شاشة قناة العربي، الجمعة الماضية. الاتهامات طالت حجي مع كل الأطراف، فمع الاختلاف الأيديولوجي، ظهر اتفاق على مهاجمة الرجل، سواءً من شخصيات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، أو بعض الشباب المحسوبين على ثورة 25 يناير، بالإضافة إلى الهجوم الذي شنه أنصار النظام الحاكم. ما الذي قاله عصام حجي؟ السؤال الأول الذي وجهته مقدمة البرنامج، عن رؤية عالم الفضاء الذي يعيش في الولايات المتحدة الأميركية، لمستقبل مصر، كانت إجابته طويلة، وفيها فجّر مفاجأة عن مبادرة تعمل عليها مجموعة من قوى سياسية وشبابية من المؤمنين بثورة يناير، تسعى إلى إحداث تغيير جذري، يتخمض عنه مشروع كامل تعرضه تلك القوى كبديل انتخابي في الانتخابات الرئاسية المصرية 2018. حجي قال إن المشروع قائم على 5 قضايا أساسية، وهي: "التعليم، والصحة، والمرأة، والمساواة، والاقتصاد"، مشدداً على أن مصر إن استمرت في نفس المسار الذي تسير فيه حالياً "ستكون خارج المستقبل". ولفت إلى أن مصر لن تتقدم خطوة للأمام دون إحداث تغير جذري في التعليم، والبدء في المصالحة الوطنية، وقال حجي إنه مسؤول في تلك المبادرة عن وضع تصور لإصلاح التعليم، وأشار إلى أن التعليم هو أحد أسس أدوات التغيير، مطالباً بإعادة الدور التربوي للمؤسسة التعليمية، خاصة أن الوزارة اسمها "التربية والتعليم"، إلا أنه مع اختفاء الدور التربوي للمؤسسة التعليمية انتشرت "قلة الأخلاق في الشوارع"، وتحولت تلك المؤسسة إلى مجرد أدوات تقنية وفنية فقط، "تُعلم التلاميذ القراءة والكتابة". وتابع أن هناك ضرورةً لإعادة النظر إلى الموازنة المخصصة للتعليم؛ لأن الميزانية الحالية لا تحفظ كرامة المواطن المصري، وتمنحه "مجرد ورقة صورية لا تمكنه من العمل ليس بسبب الأزمة الاقتصادية فقط، وإنما لعدم قدرة هذا الشخص على العمل"، وشدد حجي على ضرورة إصلاح أوضاع المعلمين، منتقداً تحويلهم إلى مجرد موظفين، داعياً إلى إصلاح أوضاعم المالية والفنية. وكذلك شدد على ضرورة تطوير المناهج الدراسية. خلال الحوار الذي استمر قرابة 50 دقيقة، كان حجي يصر على أنه ليس مهماً الإعلان حالياً عن أسماء مَن يقومون بالعمل في الفريق الرئاسي، وأكد أكثر من مرة أنه مجرد مشارك في وضع رؤية لإصلاح التعليم، ومشدداً على أن هناك مَن هم أولى بالحديث عن التفاصيل، وركز حجي على أن المطلوب هو العمل على تغيير وعي الشعب المصري، لا الإتيان بشخص يرشح على منصب رئاسة الجمهورية، وكرر أكثر من مرة أن "المشروع الوطني المبني على التعليم والمصالحة الوطنية هو المخرج الوحيد لمصر الآن". وأشار حجي إلى أن التعليم هو الحل الوحيد لهزيمة الإرهاب؛ لأنه لا توجد قوة في العالم يمكنها هزيمة من يخرج راغباً في الموت، لذلك فإن الحل هو خلق الرغبة في الحياة لدى الشباب. وقال إن المصالحة الوطنية الشاملة هي أحد حلول الخروج من الوضع الحالي، "قوة المصريين في أنهم يسامحون بعضهم بعضاً لنخطو معاً للأمام، مهما كانت الأخطاء من كل الأطراف"، مؤكداً أن ملف المصالحة يشمل الإفراج عن كل المعتقلين بقضايا فكر سياسي أو توجهات دينية. وأكد أن ما يطرحه ليس مبادرة ولا مطالب سيتقدم بها أحد إلى الحكومة الحالية، بل مشروع انتخابي لانتخابات عام 2018، لافتاً إلى أن قوى الثورة أدركت أن نتائج المظاهرات يمكن أن تتدخل أطراف لتغييرها، لذلك تتوجه حالياً لهذا الأسلوب بإعداد مشروع لتقديم بديل، ولا تريد أن تقف في موقف المتفرج فقط. ورداً على سؤال حول مدى قلقه من تزوير الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال حجي إنه لا يتخيل أن هناك مَن يمكنه تزوير إرادة الشعب المصري، وإن المهم هو التوعية ووصول الأفكار إلى الناس. ووقتها فاز هذا الفريق في الانتخابات أو لم يفز، سيكون قد نجح في توعية الناس. من كان منكم بلا خطيئة؟ ما قاله حجي استُقبِلَ برفض وسخرية وتخوين من جانب غالبية الأطراف السياسية، وتحول الجميع إلى قضاة وفقاً لوصف الحقوقي، جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إذ قال في تدوينة له على فيسبوك، إنه من الأسوأ أن نجعل من أنفسنا قضاة، ونحاكم الناس ونقيمهم وفقاً لرؤانا التي قد تكون قاصرة. وأضاف "من كان منكم بلا خطأ أو خطيئة فليحاسبهم"، مشيراً إلى أن "من لم تتلوث يده بالدم، ومن لم يحرّض عليه، ومن لم ينقلب على مبادئه، حق له أن يخطئ وحق على الجميع التحلي بالتسامح والتفهم، والذي يخطئ لأنه يعمل خير ممن لا يخطئ لأنه يعمل". وقال عيد إن "حجي مش عبدالعاطي كفتة"، في إشارة إلى اللواء إبراهيم عبدالعاطي الذي قال في 2014 إنه اخترع علاجاً لمرض فيروس سي والإيدز، عن طريق أكل "الكفتة"، وقال ذلك في مؤتمر عقدته القوات المسلحة. ومن بين ردود الفعل القاسية كان تعليق الدكتور نور فرحات، أستاذ القانون عضو مجلس أمناء الحزب المصري الديمقراطي، إذ ألمح في تعليق له على حسابه الشخصي بفيسبوك إلى علاقات مخابراتية لحجي، وطالب في تعليقه بأن ينشر عصام حجي سيرته الذاتية وسبب مغادرته مصر، وكيفية حصوله على الدكتوراه، وعمله في وكالة ناسا للفضاء؛ "لأنه لا يعمل في ناسا إلا المواطنين الأميركيين، وفقاً لاشتراطات أمنية صارمة". وقال فرحات في تعليقه الذي حذفه بعد ذلك "إنه لا يشكك في شخص عصام حجي، لكنه يطالبه بالشفافية كشرط أساسي لخدمة الوطن". هذا موظف مثل البرادعي الناشط وائل عباس، وهو المحسوب على شباب ثورة يناير، انتقد ما قاله عصام حجي، واعتبره من الموظفين الذين لا يقودون ثورات، وشبّهه بالبرادعي وزويل. وانتقد في تعليق آخر عمل حجي كمستشار علمي في مؤسسة الرئاسة، لافتاً إلى أنه قرر الاستقالة بسبب جهاز "الكفتة" وليس لموقف سياسي أو حقوقي أو إنساني. ومن بين ردود الفعل على ما قاله حجي، تعليق كتبه الدكتور حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إذ شكك في علاقة حجي بالمبادرة، وقال: "أعرف عن هذه المبادرة منذ أكثر من شهر مضى، وأغلب ظني أن الدكتور حجي لا ينتسب لهيكلها التنظيمي على أي مستوى من المستويات". وأضاف: "لا أعرف - والحال هذه - لماذا أعلن الدكتور حجي عن هذه المبادرة التي بدت من حديثه غير مكتملة الملامح، وهو ما يفقدها الكثير من الزخم؛ بل وبدا حديثه عن أصحابها من الشباب وكأنهم جماعة سرية لن تعلن عن نفسها إلا بعد نحو عام ونصف العام؟!". ومع ذلك انتقد حسني الهجوم الذي تعرّض له حجي، "بعض ما صرح به في حديثه يحتاج لبعض النقاش الموضوعي بعيداً عن هذا الهجوم البربري الذي تعرض له وتعرضت له مبادرة الشباب التي خرجت إلى الوجود قبل أوانها منسوبة لغير أصحابها!". هجوم من ناحية الإخوان وتعرّض حجي لهجوم أيضاً من الشخصيات المحسوبة على دعم جماعة الإخوان المسلمين، إذ هاجم الإعلامي وائل قنديل على حسابه على تويتر وقال: اللي تحسبه "عصام" يطلع "طارق".. كله "حجي" للأسف. اللي تحسبه عصام يطلع طارق ..... كلهحجي للأسف. — wael kandil (@waiel65) ومن أنصار السيسي أيضاً الهجوم جاء أيضاً من أنصار النظام الحاكم، إذ كتب الصحفيون المؤيدون للنظام مقالات للهجوم على حجي، من بينهم ما كتبه دندرواي الهواري، بجريدة اليوم السابع، ووصفه "محلل الإخوان.. وتلميذ البرادعي". وكذلك ، الذي وصف في مقال حجي "يناير جي عبيط يدعو في الحوار نفسه إلى مصالحة مع عصابة الإخوان". محاولة للتوضيح الملاحظ أن هذا الهجوم استمر رغم التوضيح الذي كتبه عصام حجي، على صفحته بفيسبوك حيث كتب: "إن مصر اليوم تحتاج لتكاتف كل الأيادي الشابة في إرادة موحّدة لمحاربة الجهل والفقر والمرض لرد كرامة كل مصري". وأضاف أن "مجموعة من خيرة شباب قوى 25 يناير هي صاحبة هذه المبادرة الجديدة لتقديم رؤية بديلة في 2018 لرسم دولة مدنية حديثة بخطى واقعية"، وشدد على أنه لم تحدد أي أسماء حتى الآن لخوض انتخابات 2018 و"الأسماء خارج نطاق اهتمامي ولست عضواً أو رئيساً بأي كيان". وكتبت الناشطة إسراء عبدالفتاح أن المشروع الذي طرحه حجي هو "مشروع يحتوي على أفكار وخطط عمل وهيكل للحكم من أول مساعد وزير الى الرئيس"، وأضافت على صفحتها الشخصية بفيسبوك أن ما طرح هو "مشروع عدوه الحقيقي الفقر والجهل والمرض لا يهتم حالياً بأشخاص، نحن يجب أن نفكر كيف نكمل هذا المشروع ونخرجه للنور ويحدث حوله توافق مجتمعي". على الجانب الآخر اتجه عدد من النشطاء إلى ضرورة التعامل مع ما قاله حجي بعقلانية، وقال الناشط خالد عبدالحميد، وهو أحد المحسوبين على ثورة يناير، على حسابه الشخصي بفيسبوك: "الحاجات سهلة.. شايف إن فيه مبادرة هي الحل انخرط فيها وبشر بيها وحاول تكسب ناس ليها، مش عاجباك المبادرة انتقدها وانت بتحاول تطرح بدايل ومش شرط تبقى عملية ممكن تكون نظرية أو أحلام حتى بس بجد ماتخليش دماغ المؤامرة تاكلك نهائيا وتساهم في تمويت السياسة أكتر وأكتر".