في الدارج المحلي هنا في الإمارات، إذا أردت أن تعبر ببساطة عن نظرية غسيل الدماغ، فما عليك سوى أن تقول إن «كثر الدق يفك اللحام»، ويعني أن استمرار الطرق على أي شيء يمكن أن يفكه أو حتى يسحقه إن شئنا، وهو بالمناسبة مثل معروف في عدد من الدول العربية، وفي ظني أنه واحد من أكثر الأمثلة تطابقاً مع الواقع، فالعالم في أغلبه يعيش اليوم نتائج ما بعد »الدق« أو الطرق، على جميع المستويات، في السياسة والفن والموسيقى والصحافة والأخلاق والعلاقات العامة. فحين تقنعك الأفلام الهابطة لسنوات متواصلة بأن الحب هو قضية الشباب الأولى، وأن المخدرات والانحراف والتحرش الجنسي والبذاءة وانعدام القيم، أمور عادية تحصل في أوساط الشباب، وتحديداً شباب الجامعات باعتبارها نمط حياة لا تستحق الالتفات إليها كثيراً، وأنها جزء من حتميات العولمة والتغيير، كيف نتوقع حال المجتمعات في هذه الحالة؟ ما النتيجة التي يمكن أن نلمسها في الشارع، وفي أخلاقيات الشباب بعد سنوات من شيوع وإدمان هذه الأفلام وهذه المقولات التي غسلت أدمغة مجتمعات، وجهزتها تماماً لحالة الفلتان الحاصل اليوم؟ تلك الأفلام هي ما يمكن أن نسميه الطرق أو »الدق« الذي أعطى نتائجه على سلوكيات المجتمع، ففكك كل روابط القيم المعقودة فيها منذ قرون! وحين تقنعك الفضائيات التجارية لسنوات وسنوات، بأن الفن يصنع في الـ»ستار أكاديمي« عبر شباب وفتيات يعيشون بطريقة مشبوهة رفضها الجميع وأشاحوا عنها، لتظهر قنوات بديلة تحمل لواء اكتشاف عباقرة الفن الذين سيصنعون ذائقة الأجيال القادمة عبر تقنيات التصويت، ومن يصوت له أكثر ويدفع أكثر ينال اللقب، ومن ينال رضى الفنان الفلاني وإعجاب الفنانة الفلانية يخر ساجداً، لأنه نال المجد من قمته التي لا تطال. وهكذا يستمر الدق على اللحام حتى تتفكك كل العرى، وكل العقد الموثوقة على قيم محددة ومتعارف عليها، فيطرق بعض المنتسبين للدين على موضوع الجهاد، موهمين هؤلاء السذج بأن الدخول للجنة ونيل رضوان الله وجيوش من الحور العين لا يكون إلا عبر قتل الناس وذبح الأبرياء وإشاعة الدمار في الأرض، تماماً كما طرق غيرهم من نفس القطيع فقال وكرر وطرق ودق على أن الموسيقى حرام، وأن الرسم حرام، وأن الحياة حرام، ما لم تعبر من خلال السواد والكراهية، ومن خلال تكفير الآخر وأبلسته وتخوينه والدعاء عليه بالموت والزوال والدعوة إلى إفنائه من الوجود.. لقد عشنا سنوات طويلة في ظل هذا الطرق المتواصل والمتعدد المستويات والمتنوع، واليوم ها نحن نجني ثمار ذلك كله، لأن »كثر الدق يفك اللحام«. البيان.