×
محافظة المنطقة الشرقية

«التربية»: حريصون على تنظيم أنشطة تنمي الثقافة الوطنية لدى الطلبة

صورة الخبر

هل يمكن وصف الحرب التي تدور هنا وهناك، وهنالك أيضاً، بـ «العالمية» كما بات يسميها الغرب بعدما بلغ الإرهاب الأصولي بعضاً من عواصمه ومدنه؟ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اعتبر استهداف فرنسا إرهابياً، حرباً مفتوحة بينها وبين «داعش» وحلفائه. وكذلك ألمانيا التي ضرب الإرهاب مدناً فيها. أما سيد الفاتيكان فأعلن جهاراً بعد ذبح الكاهن الفرنسي داخل الكنيسة، أن ما يحدث اليوم حرب عالمية ولكن غير دينية، فالأديان في نظره تدعو الى السلام بين الشعوب. لم يطلق الغرب صفة «الحرب» على الحروب الطاحنة في بلادنا العربية، والتي يشارك فيها مباشرة أو مداورة، إلا بعدما تسلّل الإرهاب الى عقر داره وأضحى يحصد الضحايا الأبرياء طبعاً، ويهدد أمنه وينشر الرعب بين أهله الذين لم يعتادوا مثل هذه الأفعال الشنيعة، ولعلهم عاشوها من بعيد عبر الشاشات التي تنقل إليهم مشاهد العنف التي تدور في العالم العربي، من حرق وذبح وشنق وإبادة وتدمير... وأحوال الخوف التي اعترت على سبيل المثل، شريحة من المواطنين الفرنسيين المسالمين، عقب الهجمات الإرهابية في باريس ونيس وسواهما، أضحت محط اهتمام العلماء النفسانيين والفلاسفة وعلماء الاجتماع. هذه الاعتداءات المجرمة تمثل فعلاً حالاً من الهمجية التي تخطاها الغرب الأوروبي أخلاقياً، بعد تبنّيه قضايا الحرية والعدالة وسائر القيم الإنسانية، و»العقود» الاجتماعية التي أرستها حضارته الحديثة. وما دمنا نتحدث عن اعتداء نيس، فلا بد من إيراد موقف هو غاية في الطرافة و»العدوانية»، أعلنه الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه. فهو كما ينقل عنه المفكر الفرنسي لوك فري في كتابه الجميل «تعلم الحياة» (دار بلون - باريس)، أعرب عن فرحه عندما علم أن هزة أرضية أصابت مدينة نيس الفرنسية ودمرت بعض البيوت، مع أنه كان يحب هذه المدينة وتطيب له الإقامة فيها. بل هو أسف إزاء حجم الأضرار التي كانت أقل مما توقعه. وقال لصديق له :»كان من الأفضل أن تُدمّر نيس وأن يهلك أهلها عن بكرة أبيهم». هذه «اللاأخلاقية» التي كان يتباهى بها صاحب «هكذا تكلم زرادشت»، والتي جعلته يدعو الى القضاء على «الضعيف والمنحط وغير المناسب» من أجل أن يسلم «النوع» كما يقول في كتابه «إرادة القوة»، قد تنسحب على رؤية الغرب اليوم الى الشعوب الأخرى، الشعوب التي سمح لنفسه باحتلال أراضيها في المراحل الكولونيالية السابقة، واضطهادها واستغلالها. وقد تكون رؤيته لا تزال هي نفسها الى الشعوب الأخرى التي يعدها مجرد أرقام، لا يهم إن تناقصت قليلاً، ما دامت مصالحه تقتضي هذا التناقص. وقد أصاب سيد الفاتيكان عندما برر وصفه الحرب الراهنة بـ «العالمية» قائلاً إنها حرب مصالح وغنائم، حرب من أجل المال وحرب للسيطرة على الشعوب. كيف يمكن تفسير كل الحروب التي شنّها الغرب في النصف الثاني من القرن المنصرم على بلدان يدرجها في خانة العالم الثالث والرابع والخامس؟ لم يتأثر الغرب كثيراً حيال المآسي الرهيبة التي تعصف ببلادنا. تأثر عاطفياً ربما أمام مشهد المهجرين الهاربين من جحيم الحرب التي لم يكن بريئاً منها. يدرك الغرب يقينا أنه ليس بريئاً من مآسينا الراهنة، يدرك أنه متواطئ فيها تواطؤاً «فضائحياً» لا يمكن إنكاره. طائراته تقصف سورية قصفاً عشوائياً لا يوفر الأبرياء ولا المنازل ولا المستشفيات ولا المدارس... دعماً للنظام الديكتاتوري الجائر. ومهما حاول تبرير ذرائعه فهي تظل واهية وخبيثة. هل يمكن تدمير بلدان مثل سورية والعراق وليبيا على أهلها بحجة مقاتلة الإرهاب الأصولي؟ لم يشعر الغرب بأنه أخطأ في حساباته إلا عندما اندلعت نار الإرهاب في قلبه. أما مآسينا فلا يعنيه فيها إلا ما يمكنه حصده من خرابها الرهيب. لتحارب هذه الشعوب بعضها بعضاً ما دامت مجرد أرقام ، لا يهم إن تناقصت قليلاً.