يقول جمال حمدان إن البترول لعب في المناطق الصحراوية دورا يناظر دور الماء في المناطق الزراعية، فهو حيث يظهر يخلق نمط السكن والاستقرار بما يمثل طفرة تقفز من النقيض إلى النقيض في عملية اختزال حضاري عنيف، ربطت هذا الاختزال الحضاري العنيف وأنا أصغى إلى شرح المسؤولين عن مركز الأمير سلطان الحضاري بلغة الصور والأرقام عن هذه الأيقونة الخالدة التي سترتفع شواهدها في جدة في وقت قريب أكاد أحسه من همم الرجال وعزيمة القائمين عليه. جدة مدينة استطاعت ــ بكل قوة واقتدار ــ أن تتمدد خارج سورها معطية لشخصها بين مدن العالم ملامح جديدة غير، ارتبط اسمها بالجدة حواء رحم البشرية الأول، فارتبط بها أهلوها ارتباطا تاريخيا وثيقا وأحبوها بكل عاطفة عرفوها... يتجلى هذا الحب في شدو شاعرنا محمود عارف أهواك يا جُدتي يا أرض ميلادي فيها نشأت وفيها عرس أولادي يا ملتقي حُلمي المعسول أبلغه حقيقة تجتلى من غير ميعاد هذا الحب والاهتمام لم يكن وليد اليوم، وإنما هو حب قديم متجذر امتد إلى الأبناء شغفا، من صور هذا الحب وتجلياته ما سمعته عن حماس القائمين على هذا المشروع الكبير، وقد سرح خيالهم نحو المستقبل وكيف يكون البناء والتجهيز لهذا المركز الحضاري الذي تعاهده مجموعة خيرة من رجال أعمال وتجار جدة وقفوا أمام تحديات النقص في خدمات محبوبتهم التي تكبر مع الأيام، مؤمنين أن ميلاد هذا الوطن من رحم الصراعات على يد مؤسسه ــ رحمه الله ــ يعد يوما مشهودا لبدء معركة البناء والتحضير ودخول عالم جديد منفتحا على العالم الواسع الرحيب، باديا معركة التنمية والتقدم بحماسة وقوة واقتدار، فبادلوا جدة حبا بحب، فكان دورهم ليردوا لها الجميل يوم أن وقفت معهم وهيأت لهم الظروف وواكبت مسيرة تقدمهم بعناية وحرص زائدين. رجال أعمال بنفوس كبيرة وهمم عالية استجابوا لنداء الواجب بأريحية وامتنان معتمدين على ثوابت ومرتكزات أن الإنسان هو الوحيد الذي يستطيع أن يتبنى كل المبادرات الخلاقة التي تصب في صالح الوطن وتثري روافده الاقتصادية وتدعم مسيرة البناء والتنمية، مقدمين كل الحوافز والتسهيلات حتى يكتمل البناء. في زمن خالد الفيصل أمير مكة المكرمة ــ آنذاك ــ أراد أن تبقى ذاكرة الأجيال حية بمآثر سلطان بن عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ فكانت هذه المدينة الذكية المتكاملة التي تحمل اسمه وتجمع بين السكن والمدرسة والجامعة والمستشفى والملعب. ثلاثة ملايين متر مربع مساحة هذه المدينة مترابطة بشبكة طرقها الحديثة الواسعة والمفتوحة على كل اتجاهات المدينة الأم (جدة) وما يحيط بها. تقدم لهم الخدمة الطبية المميزة لأحد عشر برجا طبيا متخصصا يدار بواسطة أشهر المستشفيات العالمية في خطوة مباركة ذكية لتوطين التقنية ونقلها إلى أرض الوطن أفسح المجال لهذه المستشفيات العالمية بأن تساهم في عملية تقييم شاملة لهذه المراكز وتشغيلها في ما بعد؛ خدمة لأبناء الوطن ومساهمة في دفع غائلة المرض عنهم. وأنا أتجول على الشاشة الفضية مع القائمين على هذا المركز والفكر سارح يستقرئ المستقبل الموعود لهذه المدينة التي ستجمع ثلاث قرى سكنية، كل قريه روعي فيها أفضل التصاميم وأجملها على بحيرة صناعية كصرح ممدد من قوارير، مع ملاعب جولف هي الأولى من نوعها من ناحية المواصفات والمقاييس، دكاكين تحمل مفهوم زمان يحيطها مركز تجاري كبير يجبي إليه ثمرات كل شيء. وبما أن جدة دائما حاضرة في قلوب محبيها بعبقها القديم من حارات وأزقة وعُزل برواشين تفنن أصحابها في إبراز مكامن جمالها تم نقلها صورة طبقة الأصل لتحيا من جديد على أرض مركز الأمير سلطان الحضاري. أدق التفاصيل تحكي عن تاريخ جدة القديم بعبقها ورائحتها، وكروح صاحب الفكرة بذائقته الإنسانية، كان في هذا المركز النصيب الأوفر من وسائل الترفية والتسلية كمتنفس لأهالي جدة، من قاعات للمحاضرات، ومسرح كبير لمزاولة الهوايات وإبراز المواهب، مع قاعات سينما لعرض الأفلام العالمية وآخر المستجدات الثقافية لمواكبة روح العصر وتلاقح الحضارات تقدم لشباب الوطن ما يهمهم وتنقل لهم حضارة العالم بكل مستجداتها، ويوقع مجلس أمناء جامعة الفيصل إنشاء فرع للجامعة على أرض المركز الحضاري لتكتمل الأيقونة، تقلص المسافات من أجل غد جميل، فاختياراتنا وأحلامنا هي التي تصنعنا. محمد الفضل المسؤول عن المشروع والمساهمون بأموالهم والعاملون بجهودهم والداعمون لهذا المركز حملوا هم الوطن ومسؤوليته على صدورهم المليئة بالحب وجعلوا من عطائهم رسالة إنسانية سامية. في مكتبهم الصغير يعملون خلف الأضواء، ومن وراء الكواليس آمنوا أن عملهم هذا إنما هو رد جميل لوطن غالٍ وكريم، مؤمنا وأنا أشد على أيديهم مودعا أن هذا المركز العملاق يجعلنا نلحق بدائرة الحضارة ونلمس أمامنا زوايا ومنعطفات لإبداع إنساني كلله الإخلاص والحب. هذا المركز بصمة تحمل تواقيع مفردات شجية تبقى في ذاكرة الوطن تاريخيا.. سنوات أربع وترتفع شواهده عالية تحكي للقادم والمقيم عن هذه التحفة المعمارية بكل ما فيها من خدمات إنسانية هي للوطن ومن أجله.