رغم المشكلات والأزمات التي تحاصر مدينة ريو دي جانيرو منذ فترة طويلة، فما زال مواطنو المدينة البرازيلية على شغفهم الرياضي في انتظار انطلاق فعاليات دورة الألعاب الأولمبية. واتسمت استعدادات البرازيل لأولمبياد ريو بأجواء من الفوضى، حيث نفدت السيولة المالية لدى المدينة، وأصبح الشعور بالأزمة المالية ملموسًا وواضحًا في كل مكان. ولكن هذا لم يقلص من حماس وترقب البرازيليين للأولمبياد. وفيما يمثل الملعب الذي يستضيف فعاليات الكرة الطائرة الشاطئية والمدرجات المؤقتة له على رمال شاطئ كوباكابانا أحد المراكز التي يترقب البرازيليون أن تبهر المشاركين والزائرين خلال فترة الأولمبياد، لا يمكن التغاضي عن السلبيات التي تطفو على هذا الشاطئ والقمامة التي تغطي رماله بل وفي المدينة بأكملها وفي المياه المحيطة. وها هو جونيور نيتو يجمع القمامة من على رمال كوباكابانا لكنه لا يستطيع التزام الصمت أو الكف عن الحديث عن المشكلات التي تعانيها المدينة قبل انطلاق الأولمبياد. وتعاني البرازيل حاليا واحدة من أسوأ فترات الركود الاقتصادي في تاريخها، بما ينذر بخروجها من قائمة أبرز عشرة اقتصادات في العالم. كما ترك هذا الركود أثرًا سلبيا واضحا على استعدادات الأولمبياد. ورغم هذا، يظل الأمل قائمًا في أن تتغلب ريو على هذه المشكلات المالية من خلال روح ومعنويات البرازيليين وشغفهم الرياضي. وعندما فازت البرازيل في 2009 بحق استضافة أولمبياد ريو، كانت نظرة العالم كله إلى هذا البلد على أنه قوة اقتصادية هائلة على الخريطة العالمية. والآن، تحكم الفوضى قبضتها على البرازيل حيث تعرضت ديلما روسيف، رئيسة البلاد، للإيقاف في مايو (أيار) الماضي لاتهامها بالتلاعب في حسابات حكومية. ومنذ إيقافها، فقد نائبها ميشيل تامر القائم بأعمال الرئيس ثلاثة من وزرائه لاتهامهم بالفساد. وتسبب افتقاد السيولة المالية في إضرابات بجامعات ومستشفيات ريو، فيما تعرضت حكومة الولاية لضربة قوية بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط. ونتيجة لهذا، منحت الحكومة الفيدرالية حكومة ريو قرضًا بلغ 825 مليون دولار، وهو ما كان أمرا ملحا للغاية عندما ذكرت الشرطة أنها لا تستطيع أن تضمن الناحية الأمنية خلال فترة الأولمبياد دون وجود حوافز مالية إضافية. ووسط هذه الظروف، تزايدت المخاوف من إمكانية احتجاج بعض المواطنين على القدر الهائل من الإنفاق على استعدادات واستضافة الأولمبياد، والذي يقدر بنحو 11 مليار دولار (رغم أن أكثر من نصف هذا المبلغ جاء عبر التمويل الخاص). ويرى كثيرون من مواطني ريو أن الأولمبياد في مدينتهم ستحقق نجاحًا، ويسترشدون على هذا بأن العناوين السلبية التي سبقت بطولة كأس العالم 2014 لم توقف المسابقة عن النجاح ولم تمنع الاحتفال بها بروح معنوية عالية. ومن العقبات الرئيسية التي ظهرت في استعدادات ريو للأولمبياد، كان خط مترو الأنفاق الذي بلغت تكلفته 75ر2 مليار دولار ليربط بين وسط المدينة وضاحية بارا، التي يقع فيها المتنزه الأولمبي ومعظم المنشآت التي تستضيف المنافسات، حيث لم يكتمل العمل به تماما، لكن تم افتتاحه أمس، مع وعد بأن يكون في أفضل حالاته مع بدء الدورة. وسادت حالة من خيبة الأمل في ريو لانسحاب عدد من النجوم الرياضيين من فعاليات الأولمبياد، بسبب المخاوف من فيروس زيكا المتفشي في البرازيل. لكن يظل الخطر الأكبر الذي يزعج المنظمين والمشاركين هو الناحية الأمنية. وتأمل السلطات البرازيلية في عدم تكرار واقعة السطو المسلح التي تعرض لها بطل الشراع الأولمبي الإسباني فيرناندو إتشيفاري في مايو الماضي. وبخلاف هذا، تسببت الحالات المتزايدة للهجمات الإرهابية في أوروبا في الآونة الأخيرة في رفع حالة الاستعداد والتأهب لدى قوات الأمن البرازيلية إلى درجة عالية للغاية، أعلى من درجات التأهب المعتادة في أي وقت آخر. ويشارك في تأمين أولمبياد ريو 85 ألف شرطي وجندي ورجل أمن، كما ستستخدم مئات الكاميرات والطائرات من دون طيار والمروحيات في مراقبة شواطئ المدينة. (كرة القدم أمل البرازيل) وتحظى كرة القدم بتراث كبير في البرازيل، وستكون المسابقة التي تنطلق مبكرًا مقياسًا لنجاح التنظيم. وأدرجت كرة القدم ضمن الرياضات الأولمبية بداية من الدورة الثانية التي أقيمت عام 1900. وعلى مدار تاريخ الدورات الأولمبية، نجح عدد من أبرز نجوم الساحرة المستديرة في خطف الميدالية الذهبية للعبة بأكثر من دورة أولمبية مثل المجري فيرنك بوشكاش في أولمبياد 1952، وليف ياشين حارس مرمى الاتحاد السوفياتي السابق في أولمبياد 1956، والمهاجم الأرجنتيني ليونيل ميسي في أولمبياد بكين 2008. ورغم ذلك، ما زال البعض يرى أن كرة القدم بمثابة «اللعبة الدخيلة» في عائلة الرياضات الأولمبية. وخلال الدورات الأولمبية الماضية، كانت كرة القدم اللعبة الوحيدة التي لم تنفد تذاكرها مباشرة فور طرحها للبيع، ما جعل بعض المسؤولين يطالب بإخراجها من الدورات الأولمبية. ولكن أولمبياد ريو قد تحول كرة القدم من «لعبة دخيلة» إلى جوهرة التاج بالنسبة لهذه الدورة الأولمبية. ويقول المؤرخ والروائي الأولمبي الشهير ديفيد والتشينسكي: «هناك أسباب قليلة لذلك.. في الوقت الحالي، ما زالت كرة القدم إحدى رياضتين فقط لا تفتحان الطريق للمشاركة في الدورة الأولمبية أمام أفضل ممارسيها. الرياضة الأخرى هي الملاكمة. لدينا نوع من التهجين في كرة القدم، حيث تسمح اللوائح بمشاركة ثلاثة لاعبين من أي سن في كل منتخب، بينما يشترط أن يكون باقي اللاعبين تحت 23 عامًا». وأضاف: «لم يكن هذا لأن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) لا يرغب في خسارة كرة القدم بالدورات الأولمبية، وإنما لا يرغب في أن تنافس مسابقة كرة القدم الأولمبية بطولات كأس العالم». وجاءت إقامة البطولة الأولى لكأس العالم لكرة القدم في 1930 بأوروغواي لتحض على استبعاد اللعبة من فعاليات الدورات الأولمبية بداية من أولمبياد 1932. وبينما اتسعت دائرة الاحتراف في مجال كرة القدم في جميع أنحاء العالم، ظلت المشاركة في الدورات الأولمبية مقصورة على اللاعبين الهواة. ويقول الرافضون للعبة على المستوى الأولمبي إنها لا تستحق أن تكون في الدورات الأولمبية، لأن المسابقة لا تجد اهتمامًا كبيرًا كما في مناسبات أخرى، في إشارة إلى سطوة بطولات كأس العالم وبعض البطولات القارية بل وبطولات الأندية الأوروبية. وصرح لاعب التنس البريطاني السابق جريج روسيدسكي قائلاً: «ما هو الأكثر أهمية، الفوز بكأس العالم أم الميدالية الذهبية لكرة القدم في الأولمبياد؟». وأضاف: «المسابقة الأولمبية ليست الأبرز حتى الآن في هذه الرياضة. يجب أن تكون هي الأهم وأن تكون ميداليتها الذهبية هي الجائزة الأبرز في عالم كرة القدم». ولكن المكانة المتواضعة لمسابقة كرة القدم في الدورات الأولمبية ستتغير بلا شك خلال ألعاب ريو دي جانيرو، لأنها هذه المرة في معقل الساحرة المستديرة. ولهذا حرص المهاجم البرازيلي الخطير نيمار دا سيلفا على أن يكون ضمن المشاركين في هذه الدورة، مفضلاً خوض المسابقة الأولمبية على المشاركة في النسخة المئوية من بطولة كأس أمم أميركا الجنوبية (كوبا أميركا 2016)، التي استضافتها الولايات المتحدة في يونيو (حزيران) الماضي. ولا تتوقع البرازيل رصيدًا هائلاً من الميداليات الذهبية في أولمبياد ريو، ولا يتوقع حتى أكثر المتفائلين من أصحاب الأرض أن تنافس بلادهم على لقب الدورة وصدارة جدول الميداليات، لكن البلاد تتطلع للتتويج بذهبية كرة القدم للمرة الأولى في تاريخها.