ليس للعلم،ولكن لمجرد التذكير، إن أحد أهم أسباب الفشل الإنساني والكوارث الإجتماعية والتخلف المتسارع في بنية المجتمعات الشابة، والدفع القسري لخلق مجتمعات متعصبة، ونشوء جماعات متطرفة، وطبقة من الناس يملؤها الحقد والرفض، هو قتل الطموح عند الشباب الناجحين في حياتهم الدراسية والمهنية، بل ويتعدى ذلك الى الأشخاص الإعتباريين في مراكزهم القيادية، حينما يكونون هدفا لإغتيالهم معنويا من قِبل منافسيهم أو الطامعين بالقفز فوق ظهور الأكفياء وأهل العمل والمنجز الحقيقي،وهذا ينسحب على كافة القطاعات، حينما يهمل أمر الناجح وتصد الأبواب في وجهه، وتفتح للفاشل أبواب لم يكن يحلم برؤيتها أصلا. ما أرغب الحديث عنه اليوم ليس عن فئات من المجتمع السياسي والوظيفي فقط، بل عن أبنائنا ممن سطرّوا أسماءهم في سجل الخالدين في تاريخ التفوق العلمي ، ثم تمرّ المناسبة ولا أحد يعرف أسماءهم حتى أو لا يتم تكريمهم بما يستحقونه مقابل إنجازهم ، فعندما تعيد وزارة التربية والتعليم الإعتبار الى إمتحان الثانوية العامة «التوجيهي» بعد سنوات من الضياع ، ورغم الإتهامات الموجهة للوزارة والوزير باعتماد إجراءات قاسية أعادت قطار النتائج الى سكتها الحقيقية، رأينا هذا العام نتاج فشل المجتمع في تربيته التعليمية للأبناء، ورأينا أن التفوق لا يغادر مدارس وزارة التربية ولا طلاب عائلات الطبقة الوسطى والأدنى. ولأن الجزاء من جنس العمل حسب القاعدة المعروفة، فلا يمكن بعد اليوم القبول بأن يترك طلابنا ،ممن حازوا على معدلات متفوقة بل ومنافسة للعلماء، أن يُتركوا للإحباط والفشل لا قدر الله، جرّاء عدم إعطائهم الإهتمام الذي يستحقونه، والتشجيع وإعلان الإفتخار بهم ، ولنشاهد أن طالبة حازت على معدل 99 لا تملك جهاز هاتف خليوي، فيما طالب رسب في الإمتحان ووالده كان قد اشترى له سيارة مرسيدس مسبقا ليحتفل بنجاحه، وعلى الرغم من فهمنا لتفاوت المقدرة المالية لكل عائلة وحريتها بمالها، ولكن أن يتم التعامل الرسمي بكل ذلك الجفاء مع كوكبة المتفوقين، ويتركوا للإمتحان الأصعب مع القدرات المالية للعائلة ورسوم الدراسة فذلك هو ما نحذر منه. صباح يوم الجمعة إستضاف برنامج صباحي مشهور،مشكورا، مجموعة من أوائل الثانوية العامة عبر شاشته، وخصص لهم وقتا قصيرا في آخر البرنامج، وهي فرصة ليتعرف المشاهد على هؤلاء الفرسان الذين يرفعون صولجان العلّم ، ومع هذا كان محبطا للشركات التي قدمت لهم الجوائز المتواضعة، وكان هامشها الأكبر هو الترويج لشركات القطاع الخاص، وكنت اتمنى لو أن كل طالب منهم تلقى إتصالا من إحدى الشركات الكبرى، ليبشره أو يبشرها بأنه يتكفل بدراستهم، بدل تذاكر سفر بمائة دينار وجهاز خلوي بما يعادل، وحساب بنكي بمئتي دينار ، وهذا بفهمي أحد عوامل الإستهزاء بالتفوق لا بدعمه. كم عدد الطلاب الحائزين على معدل 98 وأعلى، ولن أبدأ بأقل من ذلك لئلا تتعقد الحسابات؟ هب أن هناك خمسين طالبا متفوقا من الجنسين بهذه المعدلات ، إذا هناك قاعدة علماء مفترضين يعيشون بين ظهرانينا، وهذا العدد يجب أن يتم تبنيهم فورا للدراسة مجانا وعلى حساب الدولة في كليات الجامعات الأم العلمية التي تعاني نتيجة فشل سياسات وزراء تعليم بعينهم ورؤساء جامعات بعينهم، ودخول هذه النخبة من الطلاب ومن الجنسين للكليات العلمية سوف يرفع معدلات النجاح والإنجاز، ليعاد للتعليم الجامعي ولجامعاتنا بعض الإعتبار الذي فقدناه بسبب منافسة الجاهل للعالم كما ذكرنا. خبر غير سارّ تكرر هذا العام،هو التصنيف التفضيلي للجامعات في الشرق الأوسط، حيث لم تستطع جامعاتنا تحقيق أي نتيجة متقدمة، مقابل حصول جامعات الكيان الإسرائيلي وتركيا على المعدلات العليا، وظهرت جامعة الملك عبدالعزيز في السعودية بمرتبة متقدمة، وهذا أمر محزن يجب أن نضرب على رؤوسنا بأيدينا لهذه النتائج، وبناء عليه يجب إعادة تقييم الإدارات، ومدخلات التعليم في جامعاتنا، لتحقيق أفضل مخرجات تعليم تعيدنا الى الزمن الجميل في جامعات كالأردنية واليرموك والتكنولوجيا. وعودا على بدء،على المراجع العليا أن تنتبه لأهمية التقدير والتشجيع والتحفيز للناجحين والمتفوقين في كل المجالات، واليوم موضوعنا أوائل التوجيهي، للنتظر منهم التكريم المباشر لهؤلاء المتفوقين حتى لا يموت الطموح فيهم، ونقتل آمالنا بمستقبل أفضل لأبنائنا .. أرجوكم يا قطاعنا الخاص أيضا، زكاة أموالكم لهؤلاء هي خط دفاع فلا نقتلهم ! الراي