فيما عده مراقبون إنذارًا شديد اللهجة من السلطات المصرية لمن يستغلون الأديان في إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في مصر، حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من «خطورة استغلال الدين أداة للتفريق بين أبناء الوطن الواحد، أو سلاحا لجذب العناصر التي يمكن استقطابها إلى الجماعات المتطرفة والإرهابية.. وهو الأمر الذي يتنافى مع قدسية وسماحة الأديان». وطالب الرئيس، خلال لقائه أمس البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وعددا من القيادات الكنسية «المصريين بتفويت الفرصة على أي محاولات تستهدف بث الفرقة والانقسام»، وذلك على خلفية احتواء «غضب الأقباط» عقب سلسلة من أحداث عنف شهدتها محافظة المنيا (جنوب مصر) أسفرت عن قتلى ومصابين. وبينما قال مصدر كنسي إن «لقاء الرئيس أكد على دولة المواطنة.. وأنه وجه بسرعة إنجاز قانون بناء الكنائس»، مضيفا أن «اللقاء محاولة لاحتواء بعض الأزمات التي تأخذ بعدا طائفيا ولا سيما في صعيد مصر»، أكدت الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، على لسان متحدثها الرسمي القس بولس حليم أمس، أن «الرئيس تحدث عن رؤيته لمستقبل البلاد، وأن مؤسسات الدولة لن تعمل بمفردها من دون تضافر جهود المصريين كافة». لقاء الرئيس السيسي جاء بعد أيام من تصريحات مثيرة للجدل للبابا تواضروس خلال استقباله اللجنة الدينية بالبرلمان المصري، أكد فيها أن «الكنيسة تسيطر حتى الآن على غضب الأقباط في الداخل والخارج، لكنها لن تصمد كثيرا أمام الغضب». وكانت مصر قد شهدت واحدة من أسوء موجات العنف الطائفي في أعقاب فض اعتصام أنصار جماعة الإخوان في أغسطس (آب) عام 2013، حيث أحرقت حينها 46 كنسية في محافظات مختلفة، سجلت المنيا وحدها 65 في المائة من تلك الوقائع. وشهدت المنيا مؤخرا أزمات طائفية متكررة، أوقعت قتلى وجرحى، وهي ما جعلت الأقباط يتهمون السلطات المصرية بعدم حسم أي نزاع طائفي بشكل قانوني، وأنها دائما تفضل الحلول العرفية في مثل تلك الحالات. واستقبل السيسي البابا تواضروس وعددا من أعضاء المجمع المقدس والقيادات الكنسية، وقال السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، إن «الرئيس أكد أثناء اللقاء على قيم الوحدة والتآخي بين المصريين جميعا، مسلمين ومسيحيين»، مشددا على أن ما يمر به واقعنا الإقليمي يعد دليلا دامغا على أهمية تمسك المصريين بالقيم المجتمعية الأصيلة التي تميز المجتمع المصري وتحميه من أي محاولات لتقسيمه والتفريق بين أبنائه، الذين عاشوا جميعا كوحدة واحدة عبر عقود ممتدة. وأكد الرئيس أهمية أن تتواكب مع جهود الدولة جهود مجتمعية لتأكيد أهمية قيمة المواطنة والإخاء بين مسلمي ومسيحيي مصر، الذين طالما مثلوا ولا يزالون نسيجا واحدا ومصدر قوة واعتزاز لهوية مصر المعتدلة، بسماحتها وثقافتها الثرية. ويحظى السيسي بمكانة خاصة لدى الأقباط، وخصوصا بعد أن أصبح أول رئيس مصري يحافظ على مشاركة الأقباط بنفسه في احتفالاتهم الدينية في المقر البابوي بالعباسية بالقاهرة. وأشاد السيسي خلال اللقاء بما تحلى به المسيحيون المصريون من روح وطنية وحكمة في التعامل مع التحديات التي واجهت الوطن خلال السنوات القليلة الماضية، مؤكدا أن المصريين جميعا متساوون في الحقوق والواجبات بموجب الدستور الذي لا يفرق بينهم وفقا لأي اعتبارات، مؤكدا أهمية التحسب لمحاولات بث الفرقة والفتنة بين أبناء مصر من المسلمين والمسيحيين، والعمل على التصدي لها بكل حزم. من جانبه، أعرب البابا تواضروس وأعضاء المجمع المقدس عن شكرهم السيسي، على مواقفه من أجل تعزيز قيمة المواطنة، فضلا عن حرص الدولة على ترميم الكنائس المضارة جراء الأعمال الإرهابية، واهتمامها ببناء الكنائس في المدن والتجمعات السكنية الجديدة. ووفقا لتقديرات غير رسمية، تتراوح نسبة المسيحيين في مصر بين 10 إلى 15 في المائة من عدد السكان البالغ عدد أكثر من 90 مليون نسمة. ودائما ما تسود المحبة بين المسلمين والمسيحيين؛ لكن تطرأ بين حين وآخر خلافات بينهم، غالبا ما تكون بسبب «علاقات غرامية» بين فتاة مسيحية وشاب مسلم أو العكس، وتتسبب في إزهاق أرواح وحرق ممتلكات. المصدر الكنسي نفسه كشف «عن تلقي الكنيسة المصرية قبل أيام تقريرا عن الاعتداءات الطائفية منذ 2013، يفيد بوقوع 37 حادثة في المنيا فقط، بمعدل اعتداء كل شهر». وأكد المتحدث الرسمي باسم الكنيسة أمس، أن «الوفد الكنسي شكر الرئيس على الانفراجة التي شهدها قانون بناء الكنائس». وقال السيسي خلال اللقاء، إن «مدينة المنيا الجديدة ومدينة أسيوط الجديدة سوف تضم دور عبادة للمسلمين والمسيحيين، والتي سيكون لها دور في توفير واقع جديد يهيئ حياة أفضل لجميع المصريين». ويخشى المصدر الكنسي من إقرار البرلمان قانونا جديدا ينظم بناء الكنائس تضطر الكنيسة لرفضه؛ لأن الكنيسة لن تقبل سيطرة جهة معينة على بناء الكنائس في مصر، وبخاصة أن القانون المعمول به حاليا يعود لعصر الدولة العثمانية. ويسعى البرلمان المصري حاليا إلى سرعة مناقشة قانون يتعلق ببناء بدور العبادة، بحسب برلمانيين مصريين يعتقدون أن من شأن هذا القانون أن يخفف من حدة الأزمة بين المسلمين والمسيحيين. وعلى الرغم من أن العلاقات بين المسيحيين والمسلمين في مصر تتسم بالود بشكل عام، فإن أحداث العنف الطائفي غالبا ما تتفجر على خلفية مساعي الأقباط للتحايل على قوانين متشددة تنظم بناء دور عبادتهم، ومحاولات مسلمين متشددين منعهم بالقوة.