هناك سؤال أعتقد الإجابة عنه حتمية في هذا الوقت، سؤال فيه جانب فني مهني، وجانب سياسي فكري. السؤال عن التغطيات الإعلامية المكثفة لأخبار الإرهابيين وعملياتهم، كل يوم، وتتبع تفاصيل الجريمة، وملابساتها، وخلفيات القاتل، ومحيطه، وقصصه، وصوره، وحساباته على «السوشيال ميديا»، وقصص الضحايا، وطوارئ الأمن والجيش، وردود فعل الناس الأبرياء، وتعليقات «داعش» المتوعدة إثر كل جريمة.. إلخ. هذا التفاصيل اليومية الملحة التي «تمطرها» وسائل الإعلام على مدار الساعة، هل تساعد في «لجم» النشاط الإرهابي، ومحاصرة بيئته، وإهمال دعايته، وتبديد اندفاعته، وجعل التعامل مع جماعات الإرهاب محدودًا في أضيق مساحة، خاصًا بالمعنيين من رجال الأمن والاستخبارات وبقية الجهات المختصة؟ أم أن واجب الإعلام الأول والأصلي هو متابعة الأخبار التي تهم الناس؟ وأي خبر أكثر أهمية للناس من أخبار أمنهم وحياتهم ومستقبلهم؟ هل يصح وصف الإعلام عليه حين يتخلى عن فعل ما يحسنه وهو «تغطية الأخبار»؟ سؤال صعب فعلاً، وخصوصًا أن القتلة الدواعش، من المراهقين و«زعران» الأزقة، مثل: سائق شاحنة نيس، وقتلة الراهب الفرنسي في كنيسته، والمعتوه الأفغاني قاتل ملهى أورلاندو، لا يخفون شغفهم بالتغطيات الإعلامية، حتى أن عمر متين قاتل أورلاندو، كان يتابع التحديثات على صفحته بـ«فيسبوك»، وهو يواصل مقتلته بنفس الوقت. بكل حال، هذا الجدل ليس عربيًا فقط، بل هو في صميم الجدل الغربي، وبخاصة بعد هجمات فرنسا وألمانيا على وجه خاص. نقلت وسائل إعلامية عن الدكتور مايكل جيتر الباحث في جامعة ويسترن بأستراليا، قوله: «علماء النفس والسياسة يفكرون منذ فترة بعيدة في العلاقة بين الإرهاب والتغطية الإعلامية». حسب التعريف بالدكتور جيتر، فإنه قد أجرى بحوثًا حول الهجمات الإرهابية التي وقعت في العالم منذ 197 - يعني ليس فقط الهجمات الواقعة من راديكاليين مسلمين عددها 60 ألفًا - ليصل لهذه الخلاصة: «من خلال النتائج الأولية للبحوث التي أجريتها، يتبين وجود علاقة سببية بين التغطية الإعلامية الكبيرة واستفحال الإرهاب». بعد تواتر الهجمات السوداء وثورات قطعان الزومبي الداعشي في شوارع فرنسا وكنائسها، يطرح هذا الجدل أيضًا. الجديد هو توقف عدد من وسائل الإعلام الفرنسية عن نشر صور منفذي الاعتداءات أو أسمائهم، تجنبًا للوقوع في فخ الدعاية الداعشية. معضلة كبرى، كما جاء في مقدمة المقال، بين مقتضيات الإعلام، وضرورات الأمن العام والسلم الأهلي. ما سلف، ليس رأيًا عربيًا، بل هو رأي غربي بني على خبرة بحثية، لك أن تقبله أو ترفضه، لكن لا يمكنك رفض وجود علاقة «ما» بين سحر الإعلام وهوس الغرور لدى القاتل الإرهابي.