يبدو أن أوروبا «القارة العجوز»، كما وصفها وزير الدفاع الأمريكي في عهد إدارة بوش السابقة، السيد «دونالد رامس فيلد»، التي كانت آمنة مطمئنة، تنزلق نحو الإرهاب بشكل متسارع وغير مسبوق. القارة التي رسخت طوال المائة عام الأخيرة، قيم الديمقراطية والإنسانية، وأعلتها واعتبرتها أفضل ما أنتج الإنسان، وجعلتها ما يحتكم إليه سكانها الأصليون والأجانب واللاجئون على قدم المساواة. ها هي اليوم تدخل في نفق من «الهرج والمرج»، قد لا تخرج منه، وربما قريبا تدخل حروبا أهلية، لو وجد المواطن الأوروبي أن عليه أخذ زمام الدفاع عن نفسه، بدلا من حكوماته «المثالية»، مع اعتقاده المتنامي أنها فرطت في أمنه وقيمه، بسماحها للاجئين بالدخول لبلده وقتله. أوروبا اليوم تستقبل ملايين اللاجئين، وسيصبحون عما قريب مواطنين لهم كافة الحقوق، وهم يأتون من خلفيات عرقية ودينية غير متجانسة، دون أن يسبب ذلك للقانون الأوروبي أي ارتباك. لو رجع الزمن بأجداد السويديين، الأكثر شقارا وزرقة عيون، بين الشعوب الأوروبية، لما صدقوا أن الصوماليين حالكي السمرة ذوي الشعور المجعدة، يعيشون في شوارعهم، ويأخذون نفس الامتيازات التي يأخذها أبناؤهم وأحفادهم. ما ينطبق على شوارع ومدن السويد، يسري على بقية القارة الأوروبية، منذ بدأ تدفق اللاجئين بدايات الستينات، ثم توسع ذلك بشكل كثيف وغير مسبوق خلال السنوات الماضية، وهي السنين العجاف التي أعقبت ما يسمى بـ«الخريف العربي». هذا الخريف الذي تسبب فيه الأوروبيون بشكل مباشر أو غير مباشر، بقناعة أو مجاملة لإدارة السيد أوباما، آمنوا في لحظة رومانسية، أن السماح لمعتنقي الإسلام السياسي، سيعطي الحالمين بالحكم في العالم العربي فرصتهم التاريخية، وأن ذلك هو ما سيخفف من ضغوط الجماعات المتطرفة، وإرهابها في المدن الغربية. فما الذي حصل.. لقد فجر الغرب الدمل المليء بالأحقاد والكره، في شوارع مصر وليبيا وسورية والعراق، الذي نما بسبب رجعية الجماعات وأفكارها المتطرفة التي تبثها في وجدان أتباعها منذ عقود، ولذلك أصبح من الحتمي أن ينتقل ذلك الصديد لأوروبا، خاصة مع حتمية صدام الحضارات، كما يروج لها الغلاة، وإسقاط الملاحم، والحروب بين الصليب والهلال. الأفكار القاتلة، لم يتم نقلها عبر صناديق البحر التي حملت ملايين اللاجئين، بل هي موجودة في أدبيات المتطرفين، الذين سمح الغربيون لهم بالاستيطان في بلدانهم منذ عقود، مع ملاحظة أن المؤمنين بتنفيذها كثيرون. يعيش اللاجئون بطريقة جيدة، مقارنة مع بلدانهم الأصلية، وتوفر لهم حاجاتهم وحاجات أطفالهم من الطعام والشراب والعلاج والسكن والتعليم، ويتم إدراجهم في النظام، حتى يتمكنوا خلال سنوات، من التأثير في الحياة السياسية، بل ربما أسقطوا نفس الزعيم السياسي الذي تبنى لجوءهم. كان أقصى ما يتوقعه الأوروبيون، أن يقوم أحد أحفاد اللاجئين بالانخراط في عالم الجريمة، لم يخطر على بال الفرنسيين والبلجيكيين والإنجليز، أن أحفاد شركائهم من اللاجئين، هم من سينحر أطفالهم، ويدهسون أصدقاءهم في الشوارع، ويفجرون الأحزمة الناسفة في أحبتهم. يقول بعض المبررين المتوحشين، إن الطفل الأوربي الذي يقضي اليوم في عملية إرهابية، يجب أن يسدد فواتير سياسية، لمواقف اتخذها قادته قبل مئة عام من ولادته. نفس المبررين الكاذبين، لن يستقبلوا ملايين اللاجئين في بلدانهم بدلا من الأوروبيين، ولن يعطوهم نفس امتيازاتهم، ولعبروا بأشنع عبارات العنصرية في وجوههم، ولطردوهم فورا. إذن اتركوهم يعيشون ويندمجون في بلدانهم الجديدة، لا تحملوهم غلوكم، وأفكاركم المتطرفة، فيدفعوا ثمن الطرد والعودة لبلدانهم المدمرة، كما يلوح في أروقة السياسة الأوروبية الآن. نقلا عن عكاظ