تحذر الأجهزة الأمنية الألمانية منذ فترة طويلة من احتمال وقوع اعتداء إرهابي في ألمانيا، وذلك بسبب سياسة البلاد الخارجية. لكن التواجد العسكري الألماني في العراق وأفغانستان ليس السبب الوحيد لهذه الاعتداءات. "لماذا يكرهوننا؟" سؤال تردد في وسائل الإعلام الأمريكية كثيراً في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. لكن في ألمانيا اليوم، أضحى الوضع مختلفاً، إذ بات واضحاً منذ سنوات لدى الأجهزة الأمنية ولدى الرأي العام أيضاً أن ألمانيا قد تتعرض لهجمات إرهابية في أي وقت. ولطالما حذر وزير الداخلية توماس دي ميزيير من "خطر داهم". وهذا ما تأكد خلال الأسبوعين الماضيين، إذ شهدت ألمانيا هجومين - الأول نفذه لاجئ باكستاني يشتبه في أنه يحمل أوراق أفغانية مستخدماً فأساً وسكيناً داخل قطار بين مدينتي فولفسبورغ وأوكسنفورت، بينما نفذ الثاني لاجئ سوري باستخدام عبوة ناسفة كان يحملها في حقيبة للظهر ببلدة أنسباخ جنوب ألمانيا. منفذا هذين الهجومين اتضح انتماؤهما إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ذلك أن مقطع فيديو لمنفذ هجوم فولفسبورغ وهو يشرح أسباب تنفيذه الهجوم ويتبناه لصالح التنظيم انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما أعلن التنظيم الإرهابي بنفسه عبر بوقه الإعلامي عن مبايعة منفذ هجوم أنسباخ له قبيل تنفيذ الهجوم - الذي قتل فيه وحده وجرح فيه 12 شخصاً آخر. لكن لورنزو فيدينو من معهد الدراسات السياسية الدولية في ميلانو يرى في السياسة الخارجية الألمانية سبباً لذلك، إذ يقول: "منذ بداية التواجد العسكري الألماني في أفغانستان، فقد أصبحت ألمانيا - من وجهة نظر الحركات الجهادية - جزءاً من الحملة الأمريكية ضد الإسلام". كما أن وجهة النظر هذه أصبحت أكثر تأكيداً بعد مشاركة ألمانيا في الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وبالرغم من أن المتشددين الإسلاميين ينظرون إلى الغرب كله كهدف لهجماتهم، إلا أن خبير الإرهاب الألماني رولف توبهوفن يعتبر أنه "منذ أن قامت ألمانيا بدعم قوات البيشمركة الكردية في العراق في حربها ضد داعش بالأسلحة والتدريب، أصبحت ألمانيا على رأس قائمة الأهداف". التفكير عالمياً والتصرف محلياً هذا ويوضح فيدينو أن السياسة الخارجية ليست وحدها مسؤولة عن جعل ألمانيا هدفاً، مشيراً إلى أنه في دول مترددة مثل السويد وفي دولة محايدة مثل سويسرا تم الكشف عن وإحباط مخططات للقيام بهجمات هناك. ويرى الباحث في معهد الدراسات السياسية الدولية أن ذلك مرتبط بالتركيب اللامركزي للإرهاب الجهادي، ذلك أن الحركات تتألف من العديد من الأفراد الذين تربطهم أواصر متباينة القوة مع تنظيمات مثل جبهة النصرة أو القاعدة أو "داعش". ويقول لورنزو فيدينو إن هؤلاء الأفراد مستقلون في اتخاذ قرار القيام بهجوم في مكان ما، ويضيف: "إذا ما كنت تعيش في السويد وكنت - عملياً أم أيديولوجياً - مرتبطاً بالحركة، فإنك تتصرف وفقاً لقاعدة التفكير عالمياً والتصرف محلياً". بالنسبة للجهاديين الذي ترعرعوا في الغرب، فإن الدوافع السياسية الداخلية، كالشعور العام بالتمييز ضدهم، على نفس القدر من الأهمية مثل الدوافع السياسية الخارجية. أما عاصم الدفراوي، أحد أهم الملمين بالبروباغاندا الجهادية، فيذكر بأن الهجمات على الغرب باتت منذ وقت طويل جزءاً هاماً من أيديولوجية تلك الحركات الجهادية، على الرغم من أن "داعش" يعتبر الاستثناء في هذه النقطة، لأن أتباعه فضلوا التركيز على بناء "الدولة" في العراق وسوريا، بحسب ما يقول الدفراوي. ويتابع الخبير بالقول: "لهذا، ومن ناحية تكتيكية، زعم التنظيم أنه لن يهاجم الغرب، على أمل أن يتم تجاهلهم". ولكن بعد أن تبين أن هذا الأمل عبارة عن وهم، في أعقاب قصف الولايات المتحدة مواقع "داعش"، غيّر التنظيم من توجهاته. وفي هذا الصدد يقول عاصم الدفراوي: "منذ بداية الضربات الجوية، قال تنظيم الدولة الإسلامية بكل وضوح إنه سيستهدف كل الدول الغربية". الاستقطاب هو الهدف ويفيد المحلل السياسي المطلع على أدبيات التنظيمات الإرهابية بأن الهجمات التي نفذها أتباع التنظيم كان لها هدفان: الأول هو الترهيب، ذلك أن التنظيم ما يزال يتذكر سحب الحكومة الإسبانية جنودها من أفغانستان بعد أن خلفت تفجيرات مدريد عام 2004 نحو مائتي قتيل. أما الهدف الثاني فهو خلق حالة من الاستقطاب في المجتمعات الغربية، ذلك أن تلك الحالة ستؤدي إلى مظاهرات معادية للإسلام واعتداءات على مسلمين، قد تؤدي إلى شعور الشباب المسلم في تلك المجتمعات بالانعزال وبالتالي السقوط في أحضان الحركات المتطرفة. لكن رولف توبهوفن، الخبير في شؤون الإرهاب، يرى أن هناك رسالة أخرى من وراء تلك الهجمات، ذلك أن تنظيم "داعش" نجح في التغطية على تنظيم القاعدة جغرافياً، وذلك من خلال تدمير الحدود "الإمبريالية" بين سوريا والعراق. ومن خلال هجمات كبيرة في الغرب، يرسل "داعش" رسالة أخرى مفادها أن قتاله لن ينحصر في منطقة الشرق الأوسط وحدها.