المسرح العربي في غرفة الإنعاش منذ عقود، وهو في موت سريري لا ندري متى يفيق منها ! والملاحظ أن ما يُعرَض من مسرحيات، وبخاصة على شاشة التلفاز، أتفه من التفاهة ذاتها:سطحية، فقر فكري وفني، زعيق مجنون، حركات بهلوانية لإثارة الضحك المجاني العبثي، وللضحك فلسفته، كما عرضها الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون في كتابه فلسفة الضحك. أما مسرح اليوم فضحكه كالبكاء المستحق للرثاء! والغريب أننا كلما رجعنا بذاكرتنا المسرحية إلى الوراء وجدنا مسرحاً هادفاً رصيناً رزيناً، كما في مسرح أبي خليل القباني، والمسرح المغربي والسوري، والكويتي السبّاق خليجياً وكما في مسرحيات نهضة المسرح القومي المصري، زمن العهد الناصري، حيث قُدّمت روائع المسرح العربي... وكذلك روائع المسرح العالمي من إغريقي وفرنسي وإيطالي. ولمَ العجب والاستغراب؟ ألا نعيش في عصر التفاهة في كل شيء؟ نحن الذين في غيبوبة، وموت سريري، في تابوت الحضارة! في كل عيد (مبارك أو سعيد) تجتر معظم القنوات الفضائية العربية بضاعتها الكاسدة من المسرحيات المجانية العبثية، مثل شاهد ماشافش حاجة، أو مدرسة المشاغبين، أو تقوم بنقل(حي- ميت) لمسرح الكوميديا الشعبية السطحية الماجنة في حركات الغنج والدلع والإشارات والعبارات والحركات شبه الإباحية، إن لم نقل الإباحية. وهذا يذكرنا بما حدث في عهد النهضة الأوروربية بعد التحرر الفكري من سيطرة الكنيسة ومحاكم تفتيشها المرعبة. فقد نشأت الملهاة المرتجلة في أحضان الرذيلة، وكذلك أُثيرت النزعات الشهوانية والحركات والإشارات الموحية والأوضاع الغريبة مثل عرض تمثيلي فاضح للنساء وهن في حالة الولادة، وحالات الختان الهزلية الساخرة بتناول ماجن. وهذا ما أدى إلى الانهيار النهائي لتلك الملهاة في القرن الثامن عشر أخلاقياً وفنياً. وفي أوروبا وأميركا اليوم عرض مكشوف للمارسات الجنسية على خشبة المسرح! الفن ليس تصويراً حرفياً للواقع، بل هو محاكاة فنية موحية راقية للواقع، كما عرضها أرسطو في كتاب الشعر؛ وركّز على المأساة والملهاة ووضع شروطهما الفنية المستمرة منذ قرون. في بعض قنوات التلفزة اللبنانية يتم عرض (برامج ممسرحة) قوامها النكات الجنسية الصريحة الألفاظ كثيراً، والحركات الفاضحة المكشوفة، وبالذات عن المثليين الجنسيين... وتشاهد في الصالة مئات العائلات، والنسوة (يُفَرقِعْن) بالقهقهات، ويكاد المقهقهات ينقلبن على قفاهن! وكذلك حال المقهقهين! عام 1879 كتبَ المسرحيّ النرويجي هنريك إبسِن، الذي يصنفه الكثير من النقاد كأعظم كاتب مسرحي بعد شكسبير، مسرحيتَه الشهيرة (بيت الدمية) عن أوضاع المرأة-الدمية بيد الرجل الأوروبي (كما في معظم مجتمعاتنا العربية اليوم) فأحدث ضجة عارمة في أوروربا، وأميركا أيضاً. وكان لها تأثير كبير في لفت النظر إلى المأساة الإنسانية التي تعيشها المرأة الأوروبية وقتها. هذا عام 1879 يا سادة! أما نحن في القرن الواحد والعشرين فنتاجر بجسد المرأة في فنوننا الغنائية، والمسرحيات الخشبية، والبرامج التلفازية الماجنة، بل حتى في إعلاناتنا التجارية! فلا تروج سلعة إلا بنكهة الجسد الأنثوي الفاضح، محاكين الآخرين محاكاة عمياء، لنثبت لهم أننا أيضاً متحضرون مثلهم ! متى يستيقظ المسرح العربي من غيبوبته؟ بل متى يستيقظ المسؤولون عن ثقافة الشعب وفنونه... من موتهم السريري؟ * شاعر وناقد سوري