كثير من الفكاهة والسخرية العربية يُصَب في قالب الشعر. فالشعر ديوان العرب. من ظرفاء الشعراء المحدثين الذين تميزوا بقريحة ذهبية تمثلت في التفاتات تهكمية بارعة، كان علي الجندي.. له نتف ومقطوعات في غاية الظرف. المعاناة من الثقلاء ظاهرة غالبة بيننا بسبب مجاملاتنا وأدبنا، فلا نقوى على صرف الثقيل والاعتذار الصريح. وهكذا، أصبح الثقل من المواضيع السائدة في نفوس أدبائنا وظرفائنا. عانى الجندي واحدا أثقل عليه وتمادى في تكرار سلوكه هذا حتى لم يستطع الشاعر غير أن يهجوه بهذه الأبيات المليحة. قال: ثقيل على أرواحنا ثِقَل الحجر نلقبه من شؤمه زُحَل البشر تغيب بشاشاتُ المنى بحضوره وتهجر أحزان النفوس إذا هجر كأن ثلوج القطب حشو ثيابه فإن هو وافى كاد يقتلنا الخَصَر وأبشع من ضحك القرود حديثُه وأقبح من فقر ألمّ على الكبر يمن على جُلاسه بجلوسه وأمتع منه أن تجالسك البقر فيا ليته يوما أحسَّ بأنه ثقيل على الروح الخفيفة فانتحر ويا رب لا تدخل جنانك مثله فيهرب منها الصالحون إلى سقر وحدث أن أهدى أحد زملائه، عبد الحميد فهمي مرسي، ثلاثة خراف إلى أصدقائه الثلاثة: محمد الأسمر، ومحمد عبد الغني حسن، وشاعرنا الساخر علي الجندي. وكانوا قد التمسوا معا منه مثل هذه الهدية من صديقهم الأستاذ عبد الحميد. وقبل محمد الأسمر ومحمد عبد الغني حسن بما جادت به أيدي الكرام. ولكن علي الجندي استرخص الهدية ووجد فيها ما لا تحبه نفسه من العيوب. أهاج ذلك قريحته الشاعرية فمسك القلم وخط هذه الأبيات الظريفة: أخِرافٌ هاتيك أم أنقاف نبّئونا عسى يزول الخلاف مسّها الضر والهزال فراحت تتهادى كأنها أطياف قد رآها الجزار فانتابه الغَشْي وخفّ لحمله الإسعاف هل سمعتم أو هل رأيتم خرافا لا لحومٌ بها ولا أصواف قلت لما أتى إليّ خروفي ربي أنت المعاذ مما نخاف