حين استدار الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، هاماً بالخروج من مقصورة ملعب الملك فهد الدولي، بعدما فرغ من تتويج فريق النصر بكأس ولي العهد، كنت أقف على مقربة منه وإلى جانبي الصديق محمد النويصر رئيس رابطة دوري المحترفين، فنظر سموه في وجهي لبرهة ثمّ ابتسم ماداً يده للمصافحة.. ومع تباطؤي انطلق صوت النويصر: سلّم.. سلّم.. بالطبع فاجأني سموه ببادرته الطيبة وبهذا التواضع الذي دغدغ غروري وجعلني أتباهى، في قرارة نفسي بالطبع، بأن رؤساء الأندية واللاعبين يعتبرون أنفسهم فائزين بمجرد أن يسلموا على صاحب السمو راعي المباراة، فذلك يكون فوزاً على فوز للفريق البطل وتعويضاً معنوياً للفريق الخاسر.. بينما أنا كنت أكبر الفائزين لأنّ الأمير سلمان أتاح لي الفرصة لأن أسلّم عليه وأصافحه.. وما زاد في اغتباطي في تلك الأمسية أنّ الأمير خالد بن بندر أمير الرياض الذي كان إلى جانب ولي العهد "صحّاني" من انبهاري اللحظة بمصافحة حارة وبكلمة طيبة.. كان هدفي في تلك الأمسية الصاخبة للكرة السعودية أن أهنئ الفريق الفائز والتقاط صورة مع قائده أو رئيسه والكأس بيننا، وهذ ما حصل في السنوات السابقة العديدة، ولكن هذه المرة فاتني ذلك، فكانت حالي كحال الهلال الذي عوّض خسارة الكأس بالسلام على ولي العهد.. هكذا كان نهائي كأس ولي العهد بين النصر والهلال سلسلة من الإثارة في الملعب، ومن المتعة في منظر المدرجات، ومن الأحاسيس المتنوعة في المقصورة، كان تتويجها بالنسبة لي المصافحة مع ولي العهد. كانت أمسية مشهودة لمشاهد تأسرك في كل اتجاه، فكان مشهد الجمهور بشقيه الأصفر والأزرق، يتنافس في جلب الأنظار، وكان تنافس اللاعبين يعطيك صورة جلية لهذا المستوى المرموق للكرة السعودية، وكان الشعار الذي رفع في المدرّج على لافتة عملاقة (لا للتعصب) معكوساً في الملعب، فخرجت المباراة نظيفة برغم ما أثير من غبار حول بعض حالات التحكيم.. في النهاية استحق النصر المباركة بالفوز، والهلال المباركة في خروجه من الهزيمة بلا خسائر وخاصة على صعيد تدارك الذيول التي كان رئيس النادي الأمير عبد الرحمن بن مساعد حكيماً في القضاء عليها في مهدها، وخصوصاً لجهة قطع دابر الحديث عن تقديم المدرب سامي الجابر" كبش محرقة" لخسارة كأس ولي العهد التي استطاع النصر نزع العبارة التي ألصقها بها مدرب الهلال الشاب الطموح الجريء والقوي، وهي "كأس ولي العهد ماركة مسجلة باسم الهلال"عنها. عبارة أخرى غير عبارة " الكل فائز في السلام على ولي العهد" برزت في تلك الأمسية المشوّقة، وهي: خسرنا الكأس وربحنا فريقاً للمستقبل، ولكن الهلال، الذي خسر كأس ولي العهد بعد احتكار دام ست سنوات، كان ربحه هذه المرة تأكيد حقيقة أنّ الهلال له رجاله، وأنّ الهلال الحالي يقوم على رئيس قوي ومدرب قوي وجمهور قوي.. وهذا ما تأكّد بعد خسارة الكأس الغالية. أمّا في النصر فكان المنتصرون ثلاثة: الفريق الفائز بالكأس، والرئيس الأمير فيصل بن تركي الذي صمد أمام كل التحديات وقدّم كل التضحيات لإعادة النادي إلى منصة التتويج، والجمهور الكبير الصابر الذي عكس في المدرجات صورة الفريق الأكثر تنظيماً والأكثر تصميماً.. فقد تفوّق "جمهور الشمس" على " الموج الأزرق" في ناحية جمالية اللوحات ودقتها، من دون أن يكون بالإمكان تحديد التفوق العددي فالمدرجات مناصفة ولو كانت تتسع لأكثر من ستين ألفاً لكنا توصلنا، ربما، إلى تحديد الجمهور المتفوّق.. الكل كانوا فائزين: النصر والهلال والكرة السعودية، واسمحوا لي أن أقول إنّ فوز النصر بكأس ولي العهد هو لمصلحة الكرة السعودية، وقد لمست هذا الإجماع على هذه الحقيقة خلال الأيام الثلاثة التي أمضيتها في الرياض... ولن أنسى نفسي.. فقد كنت أيضاً من الفائزين.