في عام 1984 انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية (تأسست عام 1963) رغم أنه أحد المؤسسين لهذه المنظمة، التي تم تغيير اسمها إلى الاتحاد الإفريقي عام 2002. الانسحاب المغربي جاء على خلفية قبول عضوية جمهورية البوليساريو في المنظمة القارية. الرباط تعتبر أن الظروف باتت مهيأة لعودتها إلى الاتحاد الإفريقي، بعدما لاحظت ازدياد عدد دول العالم، بما فيها دول إفريقية، التي سحبت اعترافها بجمهورية البوليساريو الصحراوية إلى 17 دولة ، بينما يبلغ عدد الدول الإفريقية التي لا تعترف بهذه الجمهورية الوهمية، 34 دولة من ضمن 52 دولة يضمها الاتحاد. الملك محمد السادس عبّر عن التوجّه إلى العودة للاتحاد في رسالة وجهها إلى القمة الإفريقية التي عقدت في العاصمة الرواندية كيغالي الاثنين 18 يوليو/تموز الجاري، وقال العاهل المغربي في رسالته: المغرب يتجه اليوم بكل عزم ووضوح نحو العودة إلى كنف عائلته المؤسسية، ومواصلة تحمل مسؤولياته بحماس أكبر وبكل اقتناع. وتعتبر الرسالة الملكية أول اتصال على هذا المستوى العالي يجريه المغرب مع الاتحاد. وقد وقع مؤخراً تطور مهم تمثل في تقدّم 28 دولة إفريقية بطلب جماعي إلى الاتحاد الإفريقي لإبطال عضوية جمهورية الصحراء في الاتحاد، وهو ما يثير سخونة في ملف قضية العضوية التي ظلت شبه مطوية لثلاثة عقود. وكان المغرب على مدار العام الحالي قد نشط بإجراء اتصالات مكثفة مع دول إفريقية، وزار العاهل المغربي بعض هذه الدول، وعقدت الرباط اتفاقيات تعاون مع هذه الدول. في واقع الأمر أن تقدم أكثر من نصف الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي بطلب وقف عضوية جمهورية الصحراء في الاتحاد، يعتبر مكسباً سياسياً ودبلوماسياً للرباط، وقد جاءت هذه التطورات بعد أسابيع على وفاة رئيس جمهورية الصحراء محمد عبدالعزيز الذي قاد هذا الكيان لثلاثة عقود. الخشية الآن أن تجدد هذه التطورات داخل الاتحاد الإفريقي، الخلافات المستحكمة بين البلدين الشقيقين والجارين: المغرب والجزائر التي تؤيد البوليساريو. يُذكر هنا أن خلافات البلدين قد أصابت بالشلل الاتحاد المغاربي وجعلت منه هيكلاً بلا روح. كما أن الحدود البرية بين البلدين مغلقة. وإضافة إلى الخلاف حول الصحراء، فقد تسببت الظاهرة الإرهابية ومخاوف انتقال عناصرها بين الحدود في إبقائها مغلقة. لكن السفر جواً مُتاح لأبناء البلدين باتجاه البلد الآخر بغير قيود. وبينما ترى الجزائر أن ملف الصحراء هو ملف تقرير مصير بعد رحيل الاستعمار الإسباني عنها عام 1975، فإن المغرب يعتبر الصحراء جزءاً أصيلاً من ترابه الوطني ويلتقي على ذلك جميع مكونات الطيف السياسي والحزبي، وسبق أن تقدمت الرباط بمقترح إقامة حكم ذاتي موسع في الصحراء، نال أصداء دولية إيجابية، إلا أن جمهورية الصحراء ومعها الجزائر رفضت هذا الطرح. ومن المعلوم أن الأراضي الصحراوية جميعها (266 ألف كم مربع) تقع تحت الإدارة المغربية، وتقوم في الصحراء مدن مزدهرة يبلغ تعدادها 13 مدينة، ومن أهمها مدن: العيون والداخلة والسمارة، ويشارك أبناء الصحراء (زهاء 450 ألف نسمة) في الانتخابات البرلمانية والمحلية ترشيحاً واقتراعاً أسوة بسائر المغاربة. وقد جرت مفاوضات مباشرة بين الرباط وجبهة البوليساريو برعاية الأمم المتحدة، لكنها لم تصل إلى نتيجة. وتوجد في الصحراء منذ عام 1991 بعثة دولية للأمم المتحدة تعرف بالمينيرسو، تتخذ من مدينة العيون مقراً لها، وقد هدد المغرب مؤخراً بوقف عمل هذه البعثة بعد أن وصف أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون الوجود المغربي في الصحراء بأنه احتلال. وقد سُوّي الأمر لاحقاً، بعد أن أثار أزمة غير مسبوقة بين الرباط والأمانة العامة للمنظمة الدولية. ويسترعي الانتباه أن هذا الملف القديم لم يسبق أن أدرج على أجندة الجامعة العربية، ولم تشجع الجزائر أو المغرب على طرحه في أي محفل عربي. كما لا تقوم وساطات عربية بخصوص الملف، وهو ما جعل هذه القضية بعيدة عن أنظار الرأي العام العربي واهتماماته، علاوة على أن الملف لا ينطوي على سخونة على الأرض، فمنذ ربع قرن على الأقل ولحُسن الطالع والتدبير، لا تنشب أي احتكاكات عنيفة بين الأطراف المتنازعة. بينما المشرق العربي منذ ذلك التاريخ (1991) شهد اجتياح الكويت من النظام العراقي، وما تلا ذلك من تطورات في العراق وغيره مما مازلنا نشهد فصوله المأساوية. محمود الريماوي mdrimawi@yahoo.com