شاء قدر الله ألا تأتيها المصائب فرادى؛ ليس في ذاتها فحسب، بل في فلذات أكبادها أيضًا، لتجد نفسها فجأة بلا عائل ولا أولاد ولا صحة، وحتى الرحمة من الناس لم تحصل عليها. إنها شعاع حمدان محمد العنزي التي استأجرت شقة لأطفالها (3 أيتام) بمساعدة أهل الخير، وكرست حياتها لهم بعد وفاة زوجها، وحاولت إسعادهم بكل ما تملك وما تستطيع. ذات يوم خرجت الأم لتجهيز فسحة لأبنائها، لم تغب طويلًا، لكن قدر الله كان أسرع من أي حذر، وإذا بها تشاهد سيارات الدفاع المدني على بعد أمتار من بيتها، وما هي إلا ثوانٍ حتى أخبرها أحد موظفي الدفاع المدني بأن أولادها الثلاثة في ذمة الله. وقع الخبر عليها كالصاعقة، دخلت البيت وأكياس طعام الأولاد في يدها، فإذا به قد صار متفحمًا.. لم تعد قادرة على تحمل الصدمة، وغابت عن الوعي. استيقظت الأم في مستشفى التأمينات، لتجد أبناءها عبير (11 سنة)، وعبدالعزيز (6 سنوات) ومحمد (الأخ غير الشقيق لهم – 5 سنوات)، تحت الرعاية المكثفة، وقد غابوا عن الوعي تمامًا. اختلطت مشاعرها بين عودة الأمل والألم لحال أبنائها، شاهدت عبدالعزيز وبأنفه ما يسحب ثاني أكسيد الكربون من جراء إصابته بالحريق، اطمأن قلبها قليلًا لما شاهدت جسده دون حروق. أما محمد وعبير فلم تحرق الناس جسديهما أيضًا، لكنهما دخلا في وفاة دماغية. وهنا بدأ مسلسل المعاناة مع الأم المكلومة؛ فأبناؤها في المستشفى بين الحياة والموت، وصاحب الشقة المستأجرة يطالبها بإصلاحها وإرجاعها إلى ما كانت عليه، والمستشفى تطالبها بتكلفة العلاج، ومراكز الأعضاء تطاردها للتبرع بأعضاء أبنائها.. انعدمت الإنسانية. خرج عبدالعزيز بعد عدة أيام ليكابد معاناة نفسية كبيرة مع أمه، وطال غياب الوعي عن عبير ومحمد، والأم تعاني مصاريف المستشفى وتتحمل الديون على عاتقها، رغم كونها حالة إسعافية يفترض عدم الحصول منها على مقابل مادي. أصحاب الديون يطالبون بأموالهم لتسد الأم المكلومة دينها بدين جديد خوفًا من دخول السجن، ويشاء الله أن يموت محمد وعبير بمستشفى الشميسي بعد توقيف علاجهما بمستشفى التأمينات لعدم قدرتها على تسديد التكاليف. وانتهت المعاناة لتبدأ المأساة؛ فبعد سنوات أصيب ابنها (عبدالعزيز) في حادث أفقده ذاكرته، ثم أصيب بشلل نصفي. من مستشفى إلى مستشفى، ومن علاج طبيعي إلى آخر نفسي.. لأكثر من 3 سنوات باتت الحالة المادية للأم صعبة للغاية. أما حالتها الصحية فأصابها الدمار الكامل؛ حيث ألم الركبتين والتهاب مفصل الكتف وضغط الدم والسكري، حتى باتت قيد الكرسي المتحرك. أخبروها بأن الحكومة الرشيدة تعوض من مات أولاده واحترق بيته، قدمت أوراقها للدفاع المدني وإمارة الرياض ووزارة الداخلية لتعويضها عما جرى لها، لكن دون جدوى. ذهبت الأوراق من الإمارة إلى الداخلية إلى المستشفى إلى الدفاع المدني إلى الشؤون الاجتماعية، وأخيرًا تم رفضها لعدم تقديمها خلال الأسبوع الأول من الحريق. أرسلت الأم شكواها إلى عاجل قائلةً: أولادي لم يتوفوا خلال الأسبوع الأول، ولا حتى الشهر الأول من الحريق.. أنا تحت رعاية حكومة قوية إنسانية، أطالب بالوقوف بجانبي وتعويضي عن وفاة أولادي وعن المبالغ التي أسددها حتى الآن؛ فهل تجد الأم الباحثة عن الإنسانية شعاع أمل؟!