في الوقت الذي تتغير فيه تعاملات الأسواق المالية بشكل متسارع بين عشية وضحاها، مثل ارتفاع أسعار الذهب وانخفاضه، ومعاودته للارتفاع مرة أخرى، واستعادة الأسهم عافيتها، والإقبال على أذونات الخزانة، وارتفاع الدولار في مواجهة الذهب، تمتلئ وسائل الإعلام الدولية بأخبار متباينة بشكل ملحوظ حول العلاقة بين القنوات الاستثمارية والادخارية المختلفة. ولا شك أن حالة السيولة في المعلومات تربك المشهد الاقتصادي في كثير من الأحيان وتؤثر في قرارات المستثمرين، ووسط هذه الأجواء يتساءل المستثمرون في الأسواق الدولية هل نستثمر في الذهب أم في الأسهم؟ سؤال على بساطته تحمل إجابته العديد من التعقيدات والمخاطر. ولـ "الاقتصادية" يعلق تانج دين المحلل في بورصة لندن أنه لا يوجد إجابة واضحة وصريحة في هذا الشأن، فأسعار الذهب أو أسعار الأسهم تحدد من خلال مجموعة من العوامل المركبة التي تتجاوز الذهب وتتجاوز أيضا أداء الشركات المطروحة أسهمها في البورصة، مضيفاً أنه على سبيل المثال، فإن البيانات الأمريكية الخاصة بتحسن أداء قطاع الخدمات أدت إلى ارتفاع الأسهم، بينما ظلت أسعار الذهب ثابتة. ويعتقد البعض أن حالة الاضطراب الراهن في العلاقة بين القنوات الاستثمارية وتحديدا الذهب والأسهم تعود في جزء كبير منها للأوضاع الراهنة في الأسواق الناشئة، وهو ما يجعل من الصعب وضع تصور دقيق للعلاقة بين الذهب والأسهم في الأجل القصير. وخلال المرحلة الأولى من الارتباك الذي أصاب الأسواق الناشئة بيعت كميات كبيرة من الذهب، ما أدى إلى انخفاض الأسعار، ولكن مع تجاوز هذه المرحلة شهدت أسواق المعدن النفيس درجة أعلى من الاستقرار، وعاد له رونقه كملاذ آمن، ومع هذا فإن خبراء في مجال الذهب وتوجهاته السعرية يعتبرون أن الأمر مرتبط أكثر بالدولار وما سيحققه من ارتفاع أو انخفاض في مواجهة غيره من العملات. وتعلق جيتا ريد من مجلس الذهب العالمي لـ "الاقتصادية" بأن ارتفاع قيمة الدولار يجعل الذهب أغلى بالنسبة للمستثمرين الذين يتعاملون بعملات أخرى، فالذهب في كثير من الأحيان يعد بديلا للدولار والعملات الدولية الأخرى. وخفف الانتعاش في أسواق الأسهم الأمريكية من اهتمام المستثمرين بالمعدن النفيس، لكن هذا الأمر يصعب البناء عليه حاليا كقاعدة مستقبلية، فيوم الإثنين الماضي ارتفعت أسعار الذهب لتحقق أكبر زيادة مئوية لها في أكثر من أسبوع، وذلك بسبب تراجع في قيمة الأسهم فتحول المستثمرون لشراء الذهب، واليوم التالي أي الثلاثاء انعكس الاتجاه، حيث ارتفع مؤشر S&P 500 بنحو 13 نقطة أي ما يعادل 0.8 في المائة، ما أدى لانخفاض أسعار الذهب وتقدم في أسعار الأسهم. وعلى الرغم من هذه التقلبات، فإن بعض الاقتصاديين يرون أنه على الأمد الطويل ستزيد العوامل الضاغطة على الذهب، وتجعله أقل جاذبية للاستثمار من الأسهم، ومن أبرز هذه العوامل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، حيث تتقارب معدلات الفائدة الحالية إلى الصفر تقريبا، ولا شك أن هذا العامل قد ساعد في الماضي على إقبال المستثمرين على شراء الذهب، ومع تحسن الأوضاع الاقتصادية في تلك البلدان، فإنه سيتم رفع أسعار الفائدة البنكية، ما سيدفع بالمستثمرين للابتعاد أكثر عن الذهب. ويؤكد رين كون المضارب في بورصة لندن لـ "الاقتصادية" أنه يتعين على المستثمرين والمضاربين في الذهب الحذر، فالمعدن النفيس في حالة اهتزاز، فهو يقطع خطوة للأمام ليعود خطوتين إلى الخلف، ومن ثم على المستثمرين أن يضعوا دائما في الحسبان أن المعدن الأصفر يمكن أن يواجه عمليات غير معتادة من الرغبة في التخلص منه مع تراجع أسعاره وهذا يولّد تقلبات شديدة في الأسواق تحقق مصالح الأسهم.