انطلقت أعمال الاجتماع الوزاري العربي التمهيدي لاجتماعات القمة العربية برئاسة موريتانيا، أمس، في العاصمة الموريتانية نواكشوط. وركزت الجلسة الافتتاحية على أولويات تتضمن تعزيز العمل العربي المشترك، وتطوير الجامعة العربية واستعادة دورها في حل الأزمات وتدشين مرحلة جديدة كما ذكر وزير الخارجية الموريتاني، أسلكو أحمد أزيد بيه، تقوم على التضامن والمصالحة والانسجام في العلاقات العربية والتخلص من ظاهرة الإرهاب والطائفية والمذهبية ومعالجة قضية انتشار السلاح. وخلال كلمته أمام مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، أكد الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط ضرورة المضي قدما في عملية الإصلاح وتطوير الجامعة العربية باعتبارها تحتل أهمية قصوى في هذه المرحلة التي تشهدها المنطقة العربية، فضلا عن التحديات والتداعيات والتحولات الكبرى، مشددا على ضرورة تجديد أساليب العمل وإنجاز جميع المشاريع الرامية إلى الارتقاء بآليات وهياكل العمل العربي المشترك على نحو يكفل تحقيق المصالح العربية العليا ويحافظ على أمن وسلامة واستقرار البلاد العربية. وأضاف أن القضية الفلسطينية ظلت على مدى العقود السابقة وستظل تمثل القضية المركزية للأمة العربية وتحتل الأولوية القصوى في أجندة العمل العربي المشترك وسيبقى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية يمثل تهديدا أساسيا للأمن القومي العربي، وسيتوقف تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط على حل القضية الفلسطينية وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والمرجعيات المتفق عليها لعمليات السلام وعلى رأسها مبادرة السلام العربية. وأشار أبو الغيط إلى أن الجهود المصرية الأخيرة ستفتح طريقا في وسط حالة الجمود التي يشهدها الوضع الحالي لافتا أيضا لما تمثله المبادرة الفرنسية من فرصة مواتية لتصحيح المسار وإنهاء الاحتلال. وفي الشأن السوري، قال أبو الغيط إن هناك تهديدات يواجهها الأمن القومي العربي والناجمة عن الأزمة السورية بتعقيداتها الكبيرة وتفاعلاتها المتشابكة وتطورات الأوضاع في العراق واليمن وليبيا، الأمر الذي يتطلب التحرك السريع لإيجاد الحلول السياسية لإعادة الأمن والاستقرار لهذه الدول. وبين أبو الغيط أن موضوع صيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب يعطي أهمية قصوى لحماية الدولة الوطنية من المخاطر التي تهددها والحفاظ على مكتسبات وثروات ومقدرات الأمة العربية وإرساء الأمن والسلام والاستقرار الذي يعتبر شرطا أساسيا للمضي في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. ومن جانبه، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قبل تسليمه رئاسة الدورة الحالية لوزير خارجية موريتانيا، إن المنطقة العربية، والعالم كله، قد شهدا تطورات مهمة وعميقة، وإن بلاده سعت للدفع بالشواغل العربية في كثير من القضايا وعلى رأسها القضية الفلسطينية، القضية المحورية الأولى لدى العرب، بالإضافة إلى الأزمات في سوريا والعراق وليبيا التي تهدد تطوراتها الاستقرار الإقليمي على المدى المتوسط وربما البعيد، فضلاً عن ظواهر اشتدت حدتها ووطأتها على مدى السنوات الخمس الماضية، مثل الإرهاب وقضية اللاجئين غير الشرعيين. وأضاف شكري أن مصر تحركت مع أشقائها العرب على مدى رئاستها فنجحت في الحفاظ على صدارة القضية الفلسطينية على الساحة الدولية وقد تفاعلت جامعتنا بشكل إيجابي مع جميع المبادرات والتحركات التي قدمت على هذا الصعيد، وآخرها المبادرة الفرنسية التي ساهمت لجنة إنهاء الاحتلال التابعة للجامعة في إثرائها وتوفير الدعم اللازم لها، وذكّر برؤية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التي عبر عنها خلال شهر مايو (أيار) الماضي بهدف إيجاد حل حقيقي لقضية فلسطين. ودعا شكري إلى أهمية حل الأزمة في سوريا وفي ليبيا واليمن، والعراق، واستعرض ما حدث من تأثيرات سلبية أدت إلى تراجع دور الدولة لحساب ميليشيات وتنظيمات طائفية أو متطرفة ولاعبين من خارج الأطر الرسمية تتحكم في قرارهم في غالب الأحيان قوى خارجية تسعى لتوسيع نفوذها على حساب مبادئ السيادة ووحدة أراضي الدول العربية. وأشار وزير الخارجية المصري إلى الزيارة التي قام بها إلى العراق، مؤخرا، مؤكدا أنها استهدفت دعم الدولة العادلة الجامعة لأبنائها والساعية لتحقيق تطلعاتهم دون تفرقة بينهم على أساس طائفي أو عرقي، فضلا عن مواجهة الإرهاب برص الصفوف وطرح الحلول السياسية إلى جانب الأساليب الأمنية والعسكرية الضرورية لدحر التنظيمات المتطرفة. ودعا وزير الخارجية المصري إلى أهمية تكاتف الجهود العربية لمنع انتشار حمى التأزم الإقليمي إلى دول لا تزال تنعم بالاستقرار في المنطقة العربية. وحول الوضع في لبنان، قال شكري إنه بلد التعايش والتنوع وقد مر بتجارب قاسية، «نريد لها ألا تتكرر بأي حال من الأحوال»، وطالب بمساعدته ودعمه بجميع الوسائل، وتشجيع اللبنانيين على حل خلافاتهم بالحوار المعمق واستكمال منظومة المؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية «منعًا لوقوع هذا البلد في أتون الصراع الإقليمي الذي نريد له التراجع والانحسار». ودعا شكري إلى التعامل بفاعلية مع تعدد الأزمات المتزامنة والمتشابكة محذرا من خطورة الإرهاب الذي استشرى في المنطقة والعالم بشكل منقطع النظير واتخذ أشكالا واعتمد أساليب لا حدود لوحشيتها كدهس مجموعة من الأبرياء أو إغراق شخص في الماء أو حتى حرق جسده، وكل ذلك باستخدام اسم الدين الإسلامي الذي حث البشر على التعارف والتراحم. وانتقد شكري أداء العمل العربي المشترك بجوانبه السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وقال إنه لا يزال دون المستوى الذي نتطلع للوصول إليه، لتحقيق التكامل العربي المطلوب والذي أصبح مسألة حتمية، ودعا إلى الحفاظ على المصالح العربية في عالم يموج بتطورات سريعة يتعين التعامل معها. من جانبه، اعتبر وزير الشؤون الخارجية والتعاون الموريتاني إسلك ولد أحمد إيزيد بيه، أن الأوضاع التي تمر بها المنطقة العربية تتطلب تكثيف التشاور لاعتماد مقاربات تواكب التطلعات المعقودة على «قمة نواكشوط»، وأضاف أنه «على يقين من أن هذه الدورة ستدشن لمرحلة جديدة من تاريخ العمل العربي المشترك، أساسها التضامن ونبذ الفرقة وتحقيق المصالحة الوطنية وإضفاء جو من الصفاء والانسجام على العلاقات العربية - العربية، سعيا لبلوغ الغايات التي تأسست من أجلها جامعتنا الموقرة». وقال ولد إيزيد بيه في كلمة أمام وزراء الخارجية العرب إن «انعقاد هذه القمة بنواكشوط وفي الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، عميق في دلالته على حرص موريتانيا على الاضطلاع بدور فاعل في تمتين أواصر العلاقات العربية البينية عبر الحفاظ على انتظام العمل العربي». وتابع أنه «رغم الظروف التي تعيشها منطقتنا العربية، فإننا على يقين من أن هذه الدورة سوف تمثل انطلاقة لعمل عربي يقوم على تفعيل مجالات التعاون والتشاور للتصدي للأزمات العربية التي تستهدفنا جميعًا، في مقدمتها استشراء العنف متعدد الجنسيات في الأقاليم والعقول غير المحصنة، والاصطفاف الطائفي والمذهبي، وانتشار السلاح، وانهيار المؤسسات، وغيرها من عولمة الظواهر الراهنة، وهذا ما يستوجب علينا أكثر من ذي قبل أن ننظر لقضايانا المصيرية بكثير من الواقعية والتعقل، آخذين بحذر بالغ بوادر تشكل نظام إقليمي جديد. يؤكد الحاجة إلى التشبث بالبيت العربي ومراجعة السياسات القائمة، والسعي من أجل تحقيق المصالحات البينية والتسويات السياسية للقضايا العالقة بالطرق الودية». ودعا وزير الخارجية الموريتاني إلى تعزيز التعاون مع التجمعات الإقليمية والدولية وتوطيد علاقات الدول العربية مع محيطها والاهتمام بمنطقة الجوار العربي، وبخاصة مجموعة الدول الأفريقية لبناء شراكة استراتيجية قادرة على رفع التحديات. وباعتبار اليمن هو البلد الذي يستضيف القمة المقبلة، (وفقا للترتيب الأبجدي)، استعرض وزير الخارجية اليمني، عبد الملك عبد الجليل المخلافي، التحديات التي تواجه بلاده والمسار التاريخي للأزمة، مشيرا إلى أن «اليمن تعرض لانقلاب غاشم وحرب مدمرة من قبل ميليشيا الحوثي - صالح، مؤكدا أن الحكومة حرصت منذ ما يقارب العام ونصف العام وما زالت تسعى جاهدة لإنهاء معاناة أبناء الشعب اليمني وإيقاف آلة القتل والدمار والحصار التي أمعن الانقلابيون في التعويل عليها». وأوضح المخلافي سعي حكومة بلاده إلى استئناف العملية السياسية من حيث توقفت في أقرب وقت ممكن، وفقا للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، وبخاصة القرار رقم 2216 لإنهاء الانقلاب وعودة الشرعية الدستورية ومؤسسات الدولة وعودة الأمن والاستقرار إلى ربوع الوطن اليمني كافة. ولكن وزير الخارجية اليمني اتهم الانقلابيين بالتعنت في المشاورات وعدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وعدم الجدية في الإفراج عن المعتقلين السياسيين والناشطين الحقوقيين والإعلاميين وفتح الممرات الآمنة أمام دخول المساعدات، واصفًا حجب المساعدات عن السكان بأنه «جريمة حرب». وبخصوص مشاورات الكويت، عبر وزير الخارجية اليمني عن شكره الكويت، وأضاف: «لقد استمرت المشاورات 75 يومًا إلا أنه وللأسف الشديد لم يتم إحراز أي تقدم حقيقي يذكر فيها بسبب مماطلة وتعنت الميليشيات الانقلابية التي أرادت من مشاركتها في هذه المشاورات وسيلة لشرعنة الانقلاب». وخلص وزير الخارجية اليمني في كلمته إلى الحديث عن «دواعي وضرورات الأمن القومي العربي والاصطفاف بجدية في وجه المخاطر الماثلة والتحديات القائمة وفي مقدمتها التدخلات الخارجية في شؤون منطقتنا وبلداننا العربية خصوصا من بعض دول الجوار وتحديدًا إيران»، مشيرًا إلى أن ذلك «يفرض علينا في واقع الأمر التصدي بقوة لهذا الوضع الخطير دون هوادة بقدر ما يفرض علينا سرعة العمل من أجل تحقيق مصالحة عربية تتبنى مقاربة مبتكرة تضمن حماية مصالحنا المشتركة من خطر المحاولات المشبوهة التي تهدف إلى تفتيت البلدان العربية واستهدافها وتؤكد حماية الأمن القومي العربي». من جهته، استعرض وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، في كلمته في الاجتماع، مجمل التطورات السياسية التي تمر بها المنطقة العربية، وفي قلب تلك التطورات ما آلت إليه القضية الفلسطينية، مشيرا إلى الرغبة الإسرائيلية في إفشال جميع الجهود الدولية والإقليمية المبذولة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين. وانتقد المالكي، مسلسل التعنت الإسرائيلي تجاه جميع المبادرات السياسية المطروحة، وعلى رأسها مبادرة السلام العربية، والمبادرة الفرنسية التي تدعمها القيادة الفلسطينية والجامعة العربية، ممثلة باللجنة الوزارية العربية المصغرة لإنهاء الاحتلال، حيث طالب الدول العربية بدعم تلك المبادرة لعقد مؤتمر دولي لإحلال السلام وفق قرارات الشرعية الدولية بما يضمن تطبيق حل الدولتين مع إيجاد آلية مواكبة متعددة لتطبيقه وفق جدول زمني محدد وبضمانات دولية. وقال المالكي: «إن القيادة الفلسطينية ترفض التقرير الصادر مؤخرا عن اللجنة الرباعية الدولية واتخذت القيادة قرارا بمقاطعتها والتعامل معها كمكونات منفردة فقط، والعمل تحت المظلة العربية ومن خلال اللجنة الرباعية العربية المصغرة لإنهاء الاحتلال». وطالب المالكي جميع الدول العربية بدعم الخطوات السياسية التي تقودها القيادة الفلسطينية بعد أن أظهر المجتمع الدولي عجزه في الضغط على دولة الاحتلال لإنهاء احتلالها لدولة فلسطين، ولجمها عن سياستها الهادفة إلى تدمير حل الدولتين، وعدم قدرته على حل القضية الفلسطينية وتراجع رغبة بعض قواه المؤثرة في إيجاد الحل، وانحياز البعض للموقف الإسرائيلي. ودعا المالكي جامعة الدول العربية إلى وضع استراتيجية عربية واضحة لمواجهة الاختراق الإسرائيلي لقارة أفريقيا، لا سيما بعد المحاولات الإسرائيلية الأخيرة العودة للقارة الأفريقية على حساب التواجد العربي والدعم الأفريقي لقضية فلسطين، وطالب الأمانة العامة بالتعامل مع هذا الموضوع بمنتهى الاهتمام.