نستكمل اليوم الجزء الثاني من مقال «تنبؤات قارئة الكف لملكة مصر»، ونسلط الضوء في الجزء الأخير من المقال على اللحظات الأكثر خطورة، ونستذكر ما كانت تقوم به السفارة الإنكليزية من تحكم في مصر وتدخل في شؤون الديوان الملكي... إذ كان الملك فاروق وطنياً، لكن الإرهاب كان شاملاً حتى على الملك، وفي فبراير 1942 أمر السفير البريطاني لورد كيلن الملك أن يعين النحاس رئيساً للوزارة فرفض الملك، فحاصر الإنكليز قصر عابدين بالدبابات يوم 4 فبراير 1942، فاستجاب مُرغماً لمطلبهم، وتجنباً لصدام الجيش المصري مع الجيش الإنكليزي الذي له إمدادات في عدة قواعد في مصر وقبرص وليبيا. لم يكن الملك فاروق بالصورة التي شوهته الثورة بإعلامها... كان رجلاً وطنياً يحب مصر والشعب، ولم يسجن يوماً صاحب رأي ولا صحافياً، ولم يبطش بالشعب، وكان مهذباً راقياً حتى خلعه ومغادرته أرض الوطن... ولم يطلب يوماً من الشعب أن يطيع الإنكليز... قال الرئيس أنور السادات في قصة حياته «البحث عن الذات»: منذ أن حُوصر قصر عابدين تهديداً للملك لكي يأتي بالنحاس رئيساً للوزارة سقط النحاس في نظرنا وكيف كان يقبل أن يفرضه المستعمر على البلد ومليكه بقوة السلاح. هكذا كان الإنكليز يأتون بشخصية في دول نفوذهم ويلمعونه وينفونه وهو في رحلة سياحية حتى يعود إلى بلده محمولاً على الأكفّ والأكتاف.. وقال السادات: عاد السفير البريطاني فوجه إنذاراً ثانياً إلى الملك... وماذا كان موقف الجيش لو دخل في حرب مع القوات الإنكليزية لفك حصار قصر عابدين وهم يسيطرون على القواعد والمطارات وقوة الإسماعيلية الهائلة. قال السادات: استعرت سيارة زكريا محيي الدين، وكان الوحيد بيننا الذي يملك عربة خاصة، لأرى حصار الدبابات لقصر عابدين. وقال: كان الشعور ضد الإنكليز يزداد يوماً بعد يوم إلى أن أتى الصيف، فحطم رومل ثعلب الصحراء الجيش الثامن الإنكليزي في العلمين، 70 كيلومتراً عن الإسكندرية وفرح الشعب المصري وظهرت المظاهرات تهتف (إلى الأمام يا رومل)، لأن هزيمة الإنكليز هي الطريق الوحيد لخلاص البلد من احتلالهم. اليوزباشي السادات كان بسلاح الإشارة، جاءه زميله حسن عزت ليقول له إن ضابطين من الجيش الألماني يريدان الاتصال بك، للتعاون مع الجيش المصري. أحدهما هو «أبلر» من أم ألمانية متزوجة من مستشار مصري اسمه العربي حسن جعفر. استأجرا عوامة وترددا على ملهى لبديعة مصابني، ذهب السادات معهما للاطلاع على جهازي لاسلكي، فأخذ أحد الجهازين إلى منزله، كان الألمانيان مراقبين، ففتش الإنكليز منزلي، وقام أخي بإخراج جهاز اللاسلكي وصحيفة البارود الذي كنا نصنعه في القرية من خشب الصفصاف والسّماد الحيواني. واتهمت بالعمل ضد الإنكليز، فأدخلوني سجن الأجانب، وكان مرفهاً يحرسني ضابط برتبتي، ثم نقلوني إلى سجن مصر (القاهرة)، فمكثت فيه سنة كاملة، ثم إلى معتقل «ماقوسه» في سبتمبر 1943، وهو قَصْر قديم، ثم نُقلت إلى «سجن الزيتون». وكان معي في السجن وكيل وزارة الداخلية الذي غضب عليه الإنكليز، فقذف به النحاس في سجن الزيتون. اتفقنا على الهروب ونحن ستة، فنجحت الخطة، ومعنا حسن عزت، وكان يمتلك سيارة «أوستن». وهكذا بقي السادات مشرداً مختفياً عاماً كاملاً حتى سقطت الأحكام العرفية. أثناء التشرد عمل حمالاً في شاحنة، ونقل الأحجار والطوب من السفن إلى سيارات النقل، وعمل في شق ترعة «الصاوي»، ونقل الرخام إلى موقع استراحة الملك عند الأهرام... ثلاث سنوات من التشرد بملابس رثة لكي لا يعرفه أحد. نقله إحسان عبدالقدوس إلى دار الهلال، ليكتب زاوية، وعمل في المقاولات مع حسن عزت لنقل الماء في الصهاريج، وبعد كسب الملاليم صار نصيبه 6 آلاف جنيه، من 60 ألف جنيه، فتعدلت حاله، فتزوج جيهان، وتعدلت حال أُسرتيه. مضى الوقت، حتى صار السادات رئيساً، فعادت به رؤية (قارئة الكف) ليكون ملكاً وزوجته ملكة، فامتدت يدهما إلى خزائن مصر، فأودع ناقديه من المثقفين والأدباء السجون، محمد فايق وزير الإعلام في عهد عبدالناصر، ليمضي فيه عشر سنوات في السجن والاضطهاد، محمود أمين العالم، علي صبري، جمال الغيطاني ومحمد حسنين هيكل الكاتب والوزير، وأُغلقت نوافذ الحرية على مراكز القوى والإعلام والرأي. ولما ظهرت مظاهرة للطلبة أخمدها بقوة الجيش والشرطة، وهدد السادات بطريقة سوقية من يخرج ثانية «حَفْرمُه».