يتذكر المجتمع المدني في الكويت نواقصه في خضم الأحداث الاجتماعية والسياسية التي تجري في حينها، فيكتشف المهتمون بالشأن العام أن الجمعيات الأهلية القائمة يشوبها الكثير من العراقيل البيروقراطية والترهل. النشاط الشعبي الملحوظ، الذي ينتعش في وقت الحملات الانتخابية الخاصة بمجلس الامة، وتنظيم المجاميع الشبابية حملات توجيهية وتوعوية تتعلق بالعمل السياسي، ظاهرة تستحق الدراسة من أكثر من زاوية. وان كان لكل انتخابات أجواؤها الخاصة فإنه يمكن القول إن لكل انتخابات لونا واتجاها خاصا بحركتها التفاعلية الشعبية، فتارة تكون الدعوة إلى تعديل الدوائر بقيادة الحركة «البرتقالية» وتارة تكون الدعوة إلى التغيير كما في انتخابات 2006، وتارة أخرى تكون الدعوة إلى حسن اختيار النواب، كما في المجاميع الكثيرة التي رافقت انتخابات 2009. والسؤال الجدير بالطرح هنا هو: لماذا تنشط هذه المجاميع في انتخابات مجلس الامة فقط، ولا نجد الحماس ذاته او أقل منه بالنسبة إلى انتخابات المجلس البلدي مثلا الذي يتدخل في تفاصيل مهمة من حياة الناس وبشكل يومي؟ ولماذا كذلك لا يكون هذا النشاط بيد الجمعيات الأهلية القائمة قانوناً في الأصل؟ ام ان الروتين وتحفظات قانون اشهار الجمعيات الاهلية عن الانخراط في انشطة لها طابع سياسي يبعدانها عن الخوض في ملف الانتخابات؟ وما مدى كون هذه الجمعيات تمثل اصلاً خلفية لكثير من هذه التحركات التطوعية الآنية؟! تكاثر هذه المجاميع في حاجة الى دراسة من رؤية جديدة تتعلق بمراقبة الكوادر البشرية التي تدير هذه الحملات لقياس ما اذا كانت تنبع من التجمعات السياسية او الجمعيات الاهلية، او نشطاء الشأن العام الذين لا ينخرطون في مؤسسة تنظيمية ولكنهم يعملون بحسب الظرف السياسي القائم. والسؤال المهم هنا هو: لماذا لم يستطع العمل التطوعي «الموسمي» أن يؤسس لتنظيمات اكثر قوة وديمومة لخدمة اهداف مختلفة كمراقبة البرلمان او تقوية الشعور الوطني والاخلاقي؟ بمعنى آخر لماذا تذبل هذه التحركات بعد يوم واحد من عملية الاقتراع لانتخابات مجلس الأمة تحديدا؟ هذه اسئلة في حاجة الى مناقشة بهدف رصد الظاهرة ومعرفة اسباب وجودها وصولا الى بحث سبل تطويرها. «متطوعون من أجل الكويت» «متطوعون من أجل الكويت» مجموعة بارزة ظهرت في فترة الحملة الانتخابية لاختيار اعضاء مجلس الامة الحالي، وتمحورت الحملة حول الرغبة السامية لصاحب السمو أمير البلاد في حسن الاختيار، وفي هذا يقول عضو المجموعة د. نايف الحجرف إن 36 شخصية اجتمعت لتكون نواة تأسيس، وسميت مجموعة الـ 36 وتم تعديلها الى الاسم الرسمي الذي ظهرت به إلى الناس، واستطاعت المجموعة جمع مبالغ من المال للصرف على متطلبات الحملة، وكان تفاعل الناس مع اهداف الحملة واضحاً من خلال حجم التبرعات التي اعانت المجموعة على حملتها الاعلانية والاعلامية المكلفة. ويقول د. الحجرف إن شخصية المنسق العام يوسف الجاسم ولكونه اعلامياً كانت لها الاثر الفاعل في تحريك النشاط داخل المجموعة التي كانت تريد تحقيق اهداف واضحة، وهي التجاوب مع رغبة صاحب السمو لحسن الاختيار، وتشجيع الناخبين على التصويت ونبذ العزوف، وان يكون التصويت لمن يتبنى الرؤية التنموية من المرشحين. ولذلك كان الشعار الذي رفعته الحملة يحمل عنوان «مستقبلنا بيدكم لا تضيعونه». ويضيف د. الحجرف ان التفاعل مع الطلبة ومؤسسات المجتمع المدني كان لافتا، وقد تحققت بعض اهداف الحملة، وهناك رغبة في تطوير عمل المجموعة ليكون رقيبا على عمل البرلمان. شعاع القاطي، الاعلامية والناشطة كانت إحدى المتطوعات في حملة «متطوعون من أجل الكويت» تقول إن ما يمنع قيام الجمعيات الاهلية بدور ما في فترة الانتخابات هو أن هذا الموسم جاء مرتبطا بالشؤون السياسية التي يحرم قانون الإشهار التعاطي معها. ولاحظت القاطي ان الكثير من المجموعات الاهلية اقتصر عملها على اصدار البيانات الصحافية، في ظل غياب شبه تام للاعلام الرسمي، ومحاولة من بعض المؤسسات الاعلامية الخاصة لتشويه الكثير من القيم الديمقراطية، متعذرة بسوء اداء اعضاء المجلس، في حين كان يجب التمسك بالمجلس كمؤسسة. وعن طبيعة التحركات الاهلية تقول إنها تأتي لسد النقص الموجود في الساحة، وهي عبارة عن تجمعات وقتية شبه منظمة، ومن الضروري دراسة اعتماد صيغة قانونية تكفل لها الاستمرار لتشمل العمل البرلماني والسياسي بشكل مهني دائم. وتقول المنسقة للحملة الاعلامية لتجمع «متطوعون من أجل الكويت» ليلى الكندري إن التحرك ولد من باب الحاجة الملحة إلى مثل هذا النشاط، وفي مثل ذلك الظرف، وهو حض الناس على المشاركة، اضافة إلى استشعارنا لأن يكون للمجتمع المدني دور في هذه القضية التي لمسنا أهميتها. وتضيف الكندري أن هدف الرسالة الاعلامية كان واضحا ومباشرا استلهم طلب صاحب السمو من المواطنين إعانته على الاصلاح من خلال حسن الاختيار، اضافة إلى الحث على المشاركة ودعم المرأة ودورها في المجتمع، وقد كانت هذه العناوين الرئيسية لانتخابات 2009. وبشأن امكانية استمرار نشاط المجموعة، قالت الكندري إن هناك رغبة من الجميع في الاستمرار بالعمل والنشاط، خاصة أن هناك قضايا متفاعلة ومستمرة في الحياة السياسية الكويتية، تتطلب توعية وإرشادا لما يدور من احداث، وفي ذلك تؤكد أن رسائل المجموعة الاعلامية ستركز مستقبلا على مسألة التأزيم، الذي هو شيء متوقع بين الحكومة والمجلس، اضافة إلى التركيز على قضايا اخرى مثل عدد السكرتارية الخاصة بالاعضاء، والذين يصلون إلى 15 فردا، وهو عدد مبالغ فيه، ويحتاج إلى ضوابط، وكذلك مسألة القسم على الدستور وضرورة الالتزام بما جاء فيه وغيرها من القضايا التي تعزز العمل البرلماني والسياسي بشكل عام. وتضيف الكندري ان المجموعة لم تكن تفكر في النتائج لانها غير مسؤولة عنها، فهي تهدف إلى بث رسائل اعلامية، والتواصل مع الناس مباشرة، وأن تكون جزءا من جهود اخرى يبذلها متطوعون أو مؤسسات في هذا المجال. حملة «أقسم» «أقسم» تحرك آخر، قاد جهودا اعلامية تهدف الى اعلاء قيمة العمل والالتزام في المجتمع، ويقول خالد الروضان أحد مؤسسي هذه الحملة الخاصة التي تقودها مؤسسة تجارية إنها ليست ذات صلة بالانتخابات بل هي شاملة وتطرح مفاهيم واسعة ذات صلة بالثقافة المدنية، ومبادئ قبول الآخر والتسامح. ويضيف بالقول ان جمعيات النفع العام لا تقوم بمثل هذه الادوار بسبب قلة التخطيط، كما يرى أن العمل التطوعي على عكس المجتمعات الغربية لم يرقَ إلى أن يكون ضمن الثقافة العامة، كما يندر ان تجد شخصا يتبرع بمبالغ مالية كبيرة من اجل عمل تطوعي مفيد للمجتمع، كما هو الحال في نموذج «بيل غيتس». ويضيف الروضان أن القطاع الخاص لا يخضع لضغط المجتمع، ولذلك فهو يتحرك من دون خارطة او رغبة في توظيف جزء من ادواته للخدمة العامة، رغم ان الكويت لا تفرض اي نوع من انواع الضرائب على مؤسسات العمل التطوعي، بعكس المؤسسات التطوعية في الغرب. ويؤكد الروضان أن مجموعته ستقوم بتدشين حملات مهمة في المستقبل، تصب كلها في مضمار دعم الثقافة الحقوقية لشرائح المجتمع سواء المواطنين او الوافدين. حملة «كفاءة» «كفاءة»، هو تجمع شعبي نشط في فترة الانتخابات البرلمانية، ويقول باسل الزير، احد اعضائه إن التحركات الشعبية والشبابية بالذات كانت واضحة وفاعلة في الانتخابات الاخيرة بالذات، وهي ما يطلق عليها «الاغلبية الصامتة» بدأت في التحرك لفعل شيء على الارض، خاصة في ظل اجواء التأزيم والاحترام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ويقول الزير إن تجمع «كفاءة» هو احد التجمعات التي تؤلف مجموعة مظلة العمل الكويتي، التي يرمز إليها اختصارا بـ«معك» والتي مولت تحركنا، بالاضافة الى تبرعات خاصة من اعضاء «كفاءة» ويضيف ان التنوع في العناصر والتوجهات كانت سمة لعملنا، إذ استطعنا الوصول الى قطاعات من الناس اثناء الحملات الانتخابية من خلال الندوات والتحرك الميداني وورش العمل والتدريب بالتعاون مع احدى المؤسسات الاميركية التي تدعم الديمقراطية في الشرق الاوسط. ويقول الزير إن التفكير في تأخير عملنا من خلال طلب الاشهار فكرة جرى تداولها، لكنها صعبة في الوقت الحالي، خاصة مع تأخر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في البت في اكثر من 130 طلبا خاصاً بإشهار جمعية. ويضيف أن مجموعة «كفاءة» كانت تدعو إلى اختيار المرشح الكفء دون النظر الى تياره او خلفيته السياسية، وحاولنا الوصول الى عدد من وسائل الاعلام المختلفة لايصال رسالتنا، وقد حاولنا ان نضفي الشفافية على متطوعينا من خلال توقيعهم على مدونة «سلوك» بألا يكون المتطوع مرتبطا بقرابة بالدرجة الثالثة لأحد المرشحين. إيمان الشرهان ناشطة اخرى في مجموعة «كفاءة» ترى ان خطر العزوف عن المشاركة في الانتخابات كان محركا اساسيا لعمل المجموعة، بالاضافة الى رغبتنا في الاسهام في ترسية عملية الاختيار. وتقول الشرهان: «لسنا مسؤولين عن النتائج النهائية لعملية الانتخاب، بل كان علينا واجب العمل لتغيير واقع، وكان واجبا علينا ان نضع عددا من المعايير امام اعين من استطعنا الوصول إليهم، لنكشف الكثير من الاخطاء والمخالفات التي تحدث في وقت الانتخابات». وتضيف أن المجموعة واجهت كثيراً من الصعوبات، لكن النتائج كانت مُرضية الى حد ما، وكان تواصلنا مع الناس عن طريق ورش التدريب وزيارة الدواوين وتوزيع المواد الاعلانية والدعائية، بالاضافة الى عمل بعض المواد التلفزيونية.