زاوية نعرض من خلالها لكل ما يعن لقراء «الراي» الأعزاء من أمور تتعلق بالعقيدة الاسلامية، وتحتاج الى توضيح وبيان، يجيب عنها الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي، امام وخطيب المسجد الكبير، والعميد المساعد بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت. وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة (w-alali@hotmail.com) أو فاكس رقم: (24815921) رحمة الله وآثارها إنَّ ربَّكم تباركَ وتعالى أرحمُ الرَّاحمين، وقد كتبَ الرَّحمةَ على عبادِه المُنيبين، فرحمةُ الله تعالى وَسِعَت كلَّ شيء، وآثارُها العظيمةُ وصلت إلى كلِّ حيٍّ. وإنَّ الله سبحانَهُ وتعالى لا يغيِّر مَا بقومٍ من الرَّحمة بهم، حتَّى يُغيِّروا ما بأنفسهم بمعاصيهم وذُنوبهم، فحينئذٍ يستوجبون اللَّعنةَ فهم من رحمة ربِّهم مِنَ المحرومين، ويستحقُّون الطَّردَ وهيهاتَ هيهاتَ أن يكونوا من المرحومين. وإنَّ من جُملة من ابْتُلِيَ بالطَّردِ من رحمةِ ربِّ العالمين، فكان من جُملةِ الملعونينَ على لسانِ خَاتَم النَّبيِّين صلى الله عليه وسلم: مَنْ جاء ذكرُهم في الحديثِ الذي أخرجه مُسلمٌ في صحيحه عن أبي الطُّفيلِ عامرِ بنِ واثلةَ رحمه الله تعالى قال: (كنت عندَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه، فأتاه رجلٌ فقال: ما كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إليك؟ فغَضِبَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنه وقال: ما كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إليَّ شيئاً يَكْتُمُه النَّاس، غيرَ أنَّه قد حدَّثني بكلماتٍ أربعٍ. فقال: ما هُنَّ يا أميرَ المُؤمنين؟ قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (لعنَ اللهُ من لعنَ والده، ولعنَ اللهُ من ذبحَ لغيرِ الله، ولعنَ اللهُ من آوى مُحْدِثاً، ولعنَ اللهُ من غيَّر منارَ الأرض). فاحذرْ أن تَعُقَّ والديكَ اللَّذَيْنِ لهما عظيمُ الحقِّ بعد حقِّ الله، فتصيبَكَ لعنةُ الله، واجتنبْ صَرْفَ العباداتِ الخالصةَ التي لا يجوز صرفُها لغيرِ الله، فتصيبَك لعنةُ الله، وإيَّاك ثُمَّ إيَّاك أن تتستَّرَ على أحدٍ قد انتهكَ حُرمةً من حُرماتِ الله، فتصيبَك لعنةُ الله، واخشْ من السَّلبِ أو النَّهبِ أو الغَصْبِ لحقٍّ من حقوق عبادِ الله، فتصيبَك لعنةُ الله. وليَحْرِصْ كلُّ مُؤمنٍ على مُراقبةِ اللهِ تعالى وليُكنْ بالأمانةِ مِنَ الموصوفين، وليحذرْ كلَّ الحذرِ من وَصْفِ الخيانةِ كي لا يكون من الملعونين المطرودين. وإنَّ مِمَّن ابْتُلِيَ بالخيانةِ مَنْ ينتهك الحُقوق ويَسْرِقُ من النَّاسِ الأموال، ومَنْ يخونُ الأمانةَ فيُعَامِلُ النَّاسَ بالرِّشوةِ التي هي سحتٌ ووَبالٌ. فقد جاءَ لعنُ السَّارقِ في الحديثِ الذي أخرجه البُخاريُّ ومُسلمٌ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لعنَ اللهُ السَّارقَ؛ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فتُقْطَعُ يَدُه، ويَسْرِقُ الحَبْلَ فتُقْطَعُ يَدُه). كما جَاءَ لَعْنُ الرَّاشي والمُرتشي في الحديثِ الذي أخرجهُ أحمدُ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لعنَ اللهُ الرَّاشي والمُرتشي في الحُكْم). فاتَّقِ اللهَ تعالى في هذه الأموالِ التي بين يدَيْكَ، واجعلِ السُّؤالَ عنها يومَ القيامةِ نَصْبَ عَيْنَيْكَ، فأيُّ فائدةٍ في مالٍ مَالِكُهُ عَنْ رحمةِ اللهِ مَطْرُودٌ؟ وأيُّ عائدةٍ في حالٍ صَاحِبُه من الملعونينَ مَعدودٌ؟ فهَلْ سَمِعْتُمْ بِشُؤْمِ مَعصيةٍ يَلْعَنُ اللهُ صَاحِبَها، وتَلْحُقُ لَعْنَتُهُ مَنْ حَضَرَها وشَهِدَها وأَقَرَّ بِها؟ نَعَم؛ إنَّه الرِّبا الذي هو أكلُ أموالِ النَّاسِ بالبَاطِل، نَعَم؛ إنَّه الخمرُ الذي يَغْتَالُ رُشْدَ كلِّ لبيبٍ وعَاقِل. فشُؤْمُ الرِّبا جاءَ ذِكْرُهُ في الحديثِ الذي أخرجَهُ أحمدُ عن عبدالله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبا ومُوكِلَهُ وشَاهِدَيْهِ وكَاتِبَهُ. وقال: ما ظَهَرَ في قومٍ الرِّبا والزِّنا إلا أَحَلُّوا بأنْفُسِهِم عقابَ اللهِ عَزَّ وجلَّ). وشُؤْمُ الخمرِ جاءَ ذِكْرُهُ في الحديثِ الذي أخرجَهُ أحمدُ وأبوداودَ عن عبدِاللهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللهُ الخَمْرَ، وشَارِبَهَا وسَاقِيَهَا، وبَائِعَهَا ومُبْتَاعَهَا، وعَاصِرَهَا ومُعْتَصِرَهَا، وحَامِلَهَا والمَحْمَولَةَ إليهِ). وإنَّ مِنْ جُمْلَةِ الأسبابِ التي يكون بها العبدُ من الملعونين، وعن رحمةِ أرحمِ الرَّاحمينَ من المطرودين المقبوحين: إتيانَ الفواحشِ التي يَضِجُّ بها مَنْ في السَّماواتِ ومَنْ في الأرضِ من المخلوقين، فقد أخرج أحمدُ عن عبدِاللهِ بنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَلعونٌ من سَبَّ أَبَاهُ، مَلعونٌ من سَبَّ أُمَّهُ، مَلعونٌ من ذبحَ لغيرِ الله، مَلعونٌ من غيَّرَ تُخُومَ الأرض أي: حُدُودَها-، مَلعونٌ من كَمَهَ أعمى عن الطَّريق أي: أَضَلَّهُ، مَلعونٌ من وقع على بَهِيمةٍ، مَلعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ). قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: (قالها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مراراً ثلاثاً في اللُّوطيَّة). فكلُّ من انتهكَ حُرمةَ عِرضِ أحدٍ من المخلوقين: فقد باء بجُرمٍ يستحقُّ به أن يكون من الملعونين، وإن كان ذلك بزعمِ تفريجِ كُربةٍ المكروبين، كَمَنْ أرادَ أن يُحلَّ مُطلَّقةً لأحدٍ من المُسلمين، فقد أخرج أبوداودَ وابنُ مَاجَهْ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (لَعَنَ اللهُ المُحلِّلَ والمُحلَّلَ لَهُ). وإنَّ من أسبابِ لعنةِ اللهِ: الخروجَ والانسلاخَ عن فِطَرِ الله، فقد أخرج أحمدُ عن عبدِاللهِ بنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللهُ المُتشبِّهينَ من الرِّجالِ بالنِّساء، والمُتشبِّهاتِ من النِّساءِ بالرِّجال). ولتَحْذَرِ المُؤمنةُ من تكلُّفِ أسبابِ الجمال؛ بما يُوجب سَخَطَ ومَقْتَ ولَعْنَةَ الكبيرِ المُتعال، ولا يَخُصُّ اللَّعنُ والمَقْتُ والسَّخَطُ المُغيِّرات، بل يَعُمُّ من أَعَانَتْهُنَّ على هذه المُنكرات.