كشفت دراسة متخصصة أن دول الخليج يمكنها تخفيض الإنفاق بنسبة تتراوح ما بين 20 و40 في المائة حال التوسع والتشجيع على التحول الرقمي للأجهزة الحكومية، حيث يقلل التحكم الإلكتروني التكاليف ويرفع الكفاءة. وبحسب الدراسة التي أجرتها شركة الاستشارات الإدارية «ستراتيجي» وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منها، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه مشكلات في الميزانية قد تؤدي إلى العجز المالي على المدى الطويل في حال لم تتم معالجتها. فرغم إعلان حكومات المنطقة عن خفض الإنفاق لتقليص عجز الموازنات، فإن أسلوب خفض النفقات التقليدي المتبع يساعد على تصحيح الوضع، لكن على المدى القصير، وقد يؤثر على معدل نمو البلاد مع الوقت. وتوصي الدراسة بتبني نهج «ملائم للخدمة» بوصفه إطار عمل، لمساعدة الحكومات على خفض الإنفاق وتحقيق النمو في وقت واحد. ويساعد هذا النهج الهيئات الحكومية بدول الخليج لتحقيق الكفاءة في الإنفاق، وتعزيز الاستثمار في الخدمات الضرورية، من أجل ضمان تحقيق النمو على المدى الطويل. وأشار فادي عدرا، شريك في «ستراتيجي» والعضو في فريق القطاع العام في منطقة الشرق الأوسط، إلى أهمية معالجة الأزمة المالية الحالية قائلاً: «لا تعتبر مشكلات الميزانية في دول مجلس التعاون الخليجي بالأمر الاعتيادي الذي يتم حله تلقائيًا مع مرور الوقت. على سبيل المثال، انخفض سعر النفط الذي يشكل ثلاثة أرباع الإيرادات الحكومية في دول الخليج إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من عقد، في حين لا تزال التكلفة والطلب على الخدمات العامة الأساسية في ارتفاع مستمر. فالموازنات المعتمدة على النفط ليست ملائمة على المدى الطويل، حتى في حال ارتفاع سعر النفط». ومن هذا المنظور، حتى لو استطاعت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تحقيق نمو في الإيرادات غير النفطية بنسبة 10 في المائة سنويًا خلال الفترة المتبقية من هذا العقد، وأصبح متوسط سعر برميل النفط 50 دولارًا، فإنها لا تزال تحتاج إلى خفض ميزانياتها إلى ما يقارب 100 مليار دولار سنويا - الذي يشكل 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي - من أجل القضاء على العجز المالي. وقال سيفاغ بابازيان، مدير أول في شركة «ستراتيجي» وعضو فريق الأعمال الرقمية والتقنية في الشركة بمنطقة الشرق الأوسط، مسلطًا الضوء على أهمية نهج «ملائم للخدمة»: «من الواضح تحديد أسباب اعتماد أسلوب خفض الإنفاق بوصفه حلا تقليديا لمشكلات الموازنات في القطاعين العام والخاص. إذ من السهل تطبيقه على مستوى الموازنة ككل. ومع ذلك، فإن اعتماد هذا الأسلوب يؤتي ثماره على المدى القصير، لكن من شأنه إخفاء الأزمات المستقبلية. في حين يمكّن نهج (ملائم للخدمة) القادة في دول مجلس التعاون الخليجي من إجراء تحول اقتصادي وحكومي، يضع خطط موازناتها على الطريق الصحيح، ويوفر الخدمات النوعية التي تحتاجها شعوبها على المدى الطويل». وبالعودة إلى الدراسة التي أوضحت أن حكومات دول مجلس التعاون اتخذت بالفعل خطوات لاعتماد مبادرات تتماشى مع هذا النهج، ففي السعودية، على سبيل المثال، تمتلك خطة الحكومة للتحول الوطني (رؤية السعودية 2030) أهدافا طموحة لإعادة هيكلة جوانب مختلفة للقطاع الحكومي، بما في ذلك تدريب العاملين في القطاع العام، وأن تكون رائدة عالميا في مجال الحكومة الإلكترونية، وفرض ضوابط على الإنفاق العام وإجراءات المساءلة، واعتماد معايير قياس الأداء لتقييم عمل الأجهزة الحكومية. يشار إلى أن دول منطقة الشرق الأوسط تبذل مزيدًا من الجهود التي تساهم في تعزيز عملية التنويع الاقتصادي، الأمر الذي انعكس على مشهد قطاع الأعمال في هذه المنطقة، ودفعه إلى الإسراع في تبني أحدث التقنيات الرقمية من أجل التزود بأهم المزايا التنافسية، ابتداء من توظيف تقنيات إنترنت الأشياء، والبيانات الكبيرة والتحليلات التنبؤية، بالإضافة إلى الاستفادة من التقنيات المتنقلة لدعم الأعمال، حيث تشير الأرقام إلى أن الاقتصاد الرقمي يشكل ما يقرب من 450 مليار دولار سنويًا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي المتولد من حركة النقل والتجارة، في حين يتوقع أن يتجاوز في منطقة الشرق الأوسط 30 مليار دولار بحلول العام المقبل.