ما إن خرج الإعلام العربي وسلط ضوءه على مسألة التحريض على الجهاد حتى انبرى أتباع المحرضين للرد في المنابر التي يمتلكونها ويتهمون الإعلاميين وبعض المثقفين بالعمالة. تهمة المحرضين هي التشدد والتكفير والتحريض، وتهمة المثقفين هي التغريب والعلمنة والتحرر، والمشهد العربي عائم بين هؤلاء وهؤلاء. هناك ما هو نصف الحقيقية في المسألتين، فلا المحرضون سالمون بالكلية من تهمة التشدد، وربما التكفير المبطن أحيانا، ولا المثقفون سالمون أيضا من مسألة التحرر والتغريب، لكن هذا نصف الحقيقة. نصفها الآخر لدى السياسيين الذين تتبدل أدوار اللاعبين في رقعة الشطرنج حسب قواعد اللعبة. القتال في سوريا يتحول من انتفاضة شعبية إلى صراع بين التيارات الإسلامية نفسها. المشايخ الذين كانوا يمجدون الجهاد في سوريا يتبرؤون من تبعات ما حصل وما زال يحصل. الإعلام الذي كان ينقل المشهد صوتا وصورة وكان داعما قويا للحرب في سوريا في بداياتها، وينقل التصريحات العربية من هناك وهنا بدأ بالتملص هو كذلك وإلقاء التهمة على مشايخ الجهاد. ربما ينسى أو يتناسى الناس الأحداث، لكن التاريخ يسجل كل من كان ضد الإنسانية ولو بكلمة واحدة. المشهد العربي مشهد قاتم جدا. في النصر يجتمع الخصوم، وفي الهزيمة يتنصل المجتمعون. سوف يشهد التاريخ بالأسماء كيف أن إعلاميين ومشايخ وسياسيين في العالم العربي كانوا يتحركون وفق مصالحهم وليس وفق مصالح الشعوب التي كانت هي الوقود المشتعل يوم أن تخاصم المتخاصمون. سيذهب الإعلاميون إلى بيوتهم ليناموا قريري العيون مع زوجاتهم، وسيذهب المشايخ إلى مصايفهم السنوية بعد أن انتهوا من دعوات التحريض، وسيتصافح السياسيون في إحدى سهراتهم.. وحدها الشعوب ستذهب إلى مضاجع الموت.