كثر الحديث في الأوساط الطبية أخيراً عن ضرورة الإصغاء أكثر إلى صوت المريض. لكن هذا الشعار يُطبَّق اليوم حرفياً. يعمل الأكاديميون والمقاولون بدأب على تطوير تكنولوجيا تستطيع تشخيص شتى العلل وتوقعها، من نوبات الجنون ومرض القلب إلى ارتجاج الدماغ، وذلك بالاستناد إلى مصدر بيانات غير معتاد: طريقة كلامنا. تشير مجموعة متنامية من الأدلة إلى أن عدداً من الحالات العقلية والجسدية يجعل الإنسان يتلعثم في الكلام، يطيل الأصوات، أو يتكّلم بنبرة أنفية. كذلك قد يزداد صوتك ارتفاعاً أو يرتعش لفترة وجيزة، ما يعيق أذن الإنسان عن التقاط هذه التبدلات. صحيح أننا لا نعلم يقيناً بعد ما إذا كان تحليل أنماط الكلام يؤدي إلى تشخيص دقيق أو مفيد، لكن السباق في هذا المجال محتدم. كانت شركة Sonde Health في بوسطن اللاعب الأخير الذي انضم إلى هذا السباق، بعد أن أطلقتها أخيراً الشركة الاستثمارية PureTech. ترتكز Sonde Health على تكنولوجيا حصلت عليها من باحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهي ترغب في تطوير برنامج إلكتروني تقدّمه للمستهلكين ويتيح لهم أجراء اختبارات للكآبة، فضلاً عن حالات تنفسية وقلبية وعائية. يذكر مدير Sonde Health جيم هاربر: “التكلم عملية طبيعية نقوم بها كل يوم”. ستبدأ هذه الشركة بتحليل تسجيلات لمرضى يقرأون بصوت عالٍ. إلا أنها تسعى إلى تطوير تكنولوجيا يمكنها تحديد المزايا الصوتية من دون الحاجة إلى تسجيل الكلمات. فهدفها الرئيس، وفق هاربر، “نقل عملية المراقبة إلى الخلفية وجمع البيانات من خلال أجهزة يستخدمها الناس اليوم”. لكن Sonde ستواجه منافسة شرسة: فقد قررت شركة IBM استخدام كمبيوترها الخارق “واتسون” بالتعاون مع باحثين أكاديميين في محاولة توقع ما إذا كان المريض معرضاً للإصابة باضطراب عقلي، وذلك بالاستناد إلى أنماط الكلام. على نحو مماثل، عملت شركة في برلين على تشخيص اضطراب فرط النشاط والنقص في الانتباه من خلال التسجيلات الصوتية. كذلك تطور شركة أخرى في بوسطن تُدعى Cogito تطبيقاً لتحليل الصوت تستخدمه إدارة شؤون قدامى الحرب في الولايات المتحدة لمراقبة مزاح الجنود. ويُختبر هذا التطبيق أيضاً على مرضى الكآبة واضطراب ثنائي القطب. أثارت هذه المسألة اهتمام الجيش أيضاً. ففي مطلع هذا الشهر، أطلق شراكة مع باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في المختبر عينه الذي يعمل على تكنولوجيا Sonde، وذلك بغية تطوير جهاز يستطيع اكتشاف إصابات الدماغ ويحظى بموافقة إدارة الأغذية والأدوية الأميركية. بما أن هذا المجال يشهد إقبالاً كبيراً، يسارع بعض المقاولين إلى إنزال منتجاتهم إلى أسواق الاستهلاك، مطلقين ادعاءات جريئة يفتقرون إلى أدلة سريرية لدعمها. فقد جمع فريق عمل أكثر من 27 ألف دولار في موقع Indiegogo للتبرع العام بعد أن وعد بتقديم تطبيق من المفترض أن يصبح جاهزاً هذا الصيف يستطيع أن يحلل “أنماط الصوت بغية مساعدتك على التمتع بصحة أفضل وحيوية أكبر”. ولكن من الصعب الاعتماد سريرياً على عمليات التشخيص الصوتية، حسبما يحذّر كريستيان بويلابوير، عالم كمبيوتر من جامعة نوتر دام درس مؤشرات الحالات العصبية الحيوية. فمن الصعوبة بمكان عزل السبب الحقيقي وراء التبدلات في أنماط الكلام، حسبما يؤكّد. كذلك يلزم أن تكون التسجيلات عالية الجودة كي تُعتبر مفيدة. لكن الحصول على تسجيلات مماثلة مكلف، فضلاً عن أنك تحتاج إلى مقدار كبير من البيانات كي تضمن الحصول على خلاصات يمكنك الاعتماد عليها. أضف إلى ذلك الاختلافات الثقافية: على سبيل المثال، أثناء اختبار تحليل الأصوات بغية تشخيص ارتجاج الدماغ، اكتشف فريق بويلابوير أن عدداً كبيراً من الرياضيين الشبان يترددون في استعمال نبرة صوتهم الفعلية أو يبدلونها عندما يقولون كلمة «جحيم» لأسباب لا علاقة لها على الأرجح بإصابات الدماغ. يوضح بويلابوير: «التكلم آلية بالغة التعقيد». إليك سؤالاً أساسياً آخر: هل تكون هذه المعلومات مفيدة للمريض؟ وهل الأطباء مجهزون لمساعدته في تحديد ما عليه فعله بمعلومات مماثلة؟ يجيب أرثر كابلان، خبير متخصص في الأخلاق الطبية في جامعة نيويورك: «إن استخدمت هذا التطبيق وأبلغك أنك تتلعثم في الكلام وأنك تعاني سكتة دماغية، فقد يكون هذا مفيداً لأنك ستتوجه إلى المستشفى في الحال. ولكن إن أبلغك أن احتمال إصابتك بداء الشقيقة في الأسبوع المقبل يبلغ 38 %، فلا أعتقد أن لهذا أهمية. فكنت تعرف ذلك على الأرجح». كذلك يشير كابلان إلى أن هذه التكنولوجيا قد تستخدم توقعها إصابة الإنسان بنوبة غضب أو فقدانه السيطرة على نفسه وتحوّل هذه اللحظات العابرة إلى مرض. لذلك يسأل: «أين الحد الفاصل هنا بين ما تريد مراقبته وما ترغب في التغاضي عنه؟». على نحو مماثل، يثير النقاد مسألة الخصوصية، مؤكدين أن تكنولوجيا التحليل الصوتي قد تتطور بمرور الوقت، ما يتيح لها تحديد هوية المرضى من خلال نبرة صوتهم ووتيرته، حتى لو لم تُسجّل أسماؤهم على عينات الكلام. تقول شيرلي كوركوران، باحثة متخصصة في الفصام في جامعة كولومبيا تعاونت مع “واتسون” التابع لشركة IBM: “لا أعتقد أننا نملك اليوم التكنولوجيا الضرورية لتحديد هوية الشخص بالاستناد إلى الصوت وحده. إلا أننا قد نتوصل إلى هذه التكنولوجيا في المستقبل”.