×
محافظة عسير

أمطار متوسّطة تروي الأرض في رجال ألمع

صورة الخبر

إلياس سحّاب فيما سارت معظم دول الأرض، بعد انقشاع غبار الحرب العالمية الثانية في منتصف الأربعينات من القرن المنصرم، في طريق حصولها على استقلالها ونموها البشري ضمن إطار وحدتها الوطنية، خاصة في قارتي إفريقيا وآسيا، ابتلي العالم العربي منذ ذلك الوقت بعدد متلاحق من الأزمات السياسية الكبرى، التي أدت إلى حدوث موجات من نزوح ملايين العرب عن وطنهم الأصلي، في مسار أصبح في مطلع القرن الجديد بالذات يشكل نتاجاً شيطانياً لعملية لعبة الأمم، التي تعيد خلالها الدول الكبرى، والقوى السياسية الكبرى، العبث بتماسك الوحدات السياسية، في محاولة لإعادة رسم خرائط جديدة لهذه الوحدات السياسية، تنسف وضعها الجغرافي والسياسي والسكاني، إلى حالة أصبح عدد لا بأس به من الأقطار العربية يتخصص بها مؤخراً. المأساة الأولى بدأت على أرض فلسطين العربية منذ قرن ونيف، حين بدأت دولة الاستعمار البريطاني هناك تحضير البلد المتماسك سكانياً وجغرافياً وسياسياً منذ آلاف السنين، لإقامة دولة قومية لليهود فيها، بناء على وعد بلفور الذي صدر في أثناء الحرب العالمية الأولى. وما أن ضربت لعبة الأمم ضربتها في أرض فلسطين العربية، في العام 1948، حتى تشتت سكانها نازحين إلى أراضي دول الجوار العربي، كما إلى بعض أقطار الشتات العالمي. ومنذ ذلك اليوم، وبدلاً من أن يجد المجتمع الدولي حلاً جذرياً عادلاً يعيد مئات آلاف النازحين الفلسطينيين، الذين أصبح عددهم بالملايين (بعضهم نازح داخل أرض وطنه)، فإننا لا نسمع إلا بمشاريع التصفية وإسكان هؤلاء النازحين، جماعات ووحداناً، في شتى الأقطار التي نزحوا إليها. بعد ذلك، وفي مطلع القرن الجديد (العام 2003) ضرب التحالف الأمريكي- البريطاني ضربته لوحدة القطر العربي العراقي، بحجج ما لبثت الأيام أن كشفت زيفها، حتى وصل الأمر برئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي أصدر قرار المشاركة بغزو العراق (طوني بلير)، إلى الاعتراف مؤخراً بخطأ قراره الذي استند إلى أكاذيب. المهم أن العراق ومنذ ذلك الوقت، يرزح لعميلة تفريغ سكاني وضرب لأغنى عملية تنوع سكاني صامد منذ آلاف السنين، في فسيفساء إنساني رائع لم تعرفه أوروبا نفسها، فانتشر العراقيون في شتى أرجاء المعمورة نازحين، يبحثون عن الأمان. بعد ذلك بعدد قليل في السنين، تحركت لعبة الأمم في القطر العربي السوري، مستغلة انطلاق حركة شعبية لتصحيح الوضع الديمقراطي في نظام الحكم القائم، وفتحت كل الحدود السورية لعمليات التدخل الخارجي، من كل حدب وصوب، لكل أنواع المطامع السياسية والجغرافية، التي تهدد بأن تعصف بوحدة سوريا الراسخة منذ آلاف السنين، بعد تشريد ملايين من سكان سوريا ذات المجتمع الفاحش الثراء في تنوعه الإنساني، في بلدان الجوار العربي (لبنان والأردن) وتركيا، وسائر بقاع الدنيا. وبدل ظهور المشاريع السياسية القادرة على إنهاء الأزمة بإنهاء كل موجات التدخل الخارجي، ها نحن نسمع ونقرأ عن مشاريع لتوطين النازحين السوريين في بلدان الشتات التي لجأوا إليها، في حل يهدد باستكمال إفراغ القطر العربي السوري من سكانه الأصليين، وتهديد وحدته السياسية. إنها موجات متتالية للنزوح العربي المعاصر، من فلسطين والعراق وسوريا، في لعبة قذرة من ألعاب الأمم الكبرى، تطلق موجة من النازحين تفرغ منها الأوطان الأصلية من سكانها الأصليين، وتعمد إلى تجنيسهم في بلدان الشتات، بدل وقف عمليات التخريب السياسي، وإعادتهم إلى أوطانهم الأصلية.