الكل يتحدث عن تعثر المشاريع، وأصابع الاتهام تشير بشكل رئيسي إلى الأنظمة المتعلقة بها في الجوانب المالية والإدارية والفنية، وبشكل خاص أصبح نظام المنافسات والمشتريات الحكومية المتهم الأكبر في المأزق الذي تواجهه كثير من المشاريع في مختلف المناطق، ولهذا وضعته اللجنة المالية في مجلس الشورى في مقدمة اهتماماتها مؤخرا، واقترحت تعديل كثير من فقراته على أمل أن يتحسن الوضع بضبط سير المشاريع وجودتها وانتهائها في مواعيدها، وهذه خطوة جيدة تعكس استشعار المجلس لأهمية هذه القضية، ولكن حتى لو استطاع مجلس الشورى ومعه بقية الجهات المتخصصة وضع أفضل نظام ممكن، هل سيكون وحده كفيلا بحل المشكلة؟ دعونا نترك هذا النظام ونعود إلى خبر نشرته «عكاظ» يوم الاثنين الماضي 2 فبراير عنوانه «إعفاء مهندسين من الإشراف على مشاريع وتحويلهم لأعمال مكتبية»، ويفيد مضمونه بأن بعض الإدارات الحكومية ذات العلاقة بالجوانب التنموية أعفت عددا من المهندسين من مهمة الإشراف على المشاريع بعد أن ثبت تقصيرهم في أداء أعمالهم الإشرافية على مقاولين تولوا التنفيذ، بينما سيحال عدد آخر إلى الجهات الرقابية لفتح التحقيق في بعض أوجه القصور التي أخلت بتنفيذ المشاريع التنموية. هنا تكمن المشكلة الرئيسية الأهم، فالنظام مهما كانت جودته ودقته يظل مجرد نظام على الورق لا تتحقق نتيجته إلا عند التطبيق، وهي إما نتيجة إيجابية أو سلبية بحسب نوع التطبيق الذي يمارسه المشرفون على المشاريع من مهندسين وغيرهم. فمهما كانت جودة المواصفات، ومهما كانت أنظمة تنفيذ المشاريع صارمة، فإنه من السهل جدا التلاعب بها والتغاضي عن المخالفات والخلل وتوقيع محاضر إشراف ومتابعة واستلام بعكس الحقيقة، لتكون النتيجة مشاريع هزيلة متهالكة، وبالإمكان أيضا إيجاد أعذار ومبررات نظامية للمقاولين في التأخير إلى أجل غير مسمى، بينما الواقع ينافي تلك المبررات، وليس خافيا على المجتمع كيف أصبح للشركات والمؤسسات مندوبون لشراء ذمم بعض الموظفين المسؤولين عن المشاريع بمختلف مستوياتهم وطبيعة عملهم، وكل ذمة فاسدة ولها ثمن. إذا، نحن أمام مشكلة أكبر من الأنظمة تتمثل في الذمم الفاسدة، وإذا أردنا ضبط الأمور، فبالإضافة للأنظمة الجيدة للمشاريع، نحتاج بالضرورة إلى أنظمة صارمة تكشف هذه الذمم وتعاقبها بما تستحقه جزاء الخراب الذي تسببت فيه. عكاظ