هل الديمقراطية هي خيار الاردنيين حقا، وهل لديهم من الارادة والتصميم ما يدفعهم الى الحفاظ عليها وحمايتها من اي طارئ يتهددها او “عبث” قد يمتد اليها ..؟ قبل ان اجيب على هذا السؤال ، ولكي استدرك اية “نقطة نظام “ ساخرة قد يشهرها اي قارئ كريم اسجل ثلاث ملاحظات : اولاها ان السؤال الذي طرحته استدعته ظاهرة اعجاب معظم الاردنيين بالتجربة الديمقراطية التركية واحتفائهم بفشل الانقلاب عليها مما يدل على انهم متشوقون للديمقراطية ، الثانية ان موقف اغلبية الاردنيين من تجارب معظم البرلمانات السابقة الذي وصل لدرجة الابتهاج بحلها قبل ان يكمل بعضها المدة القانونية لا يعني(هذا الابتهاج) رفضهم للديمقراطية او كفرهم بها، بل يؤكد رغبتهم فيها برفض صورتها المغشوشة التي رسختها برلمانات عجزت عن اقناعهم بانها تمارس العمل الديمقراطي ، وبالتالي فان العيب لم يكن في فكرة الديمقراطية ذاتها وانما في الممارسة والتطبيق ، ابتداء من القانون الذي مشت على “سكته” الانتخابات وصولا الى اداء النواب الذي اتسم - غالبا - بالشخصنة. اما الملاحظة الثالثة فهي ان محاولة تحميل المجتمع “وزر” غياب الديمقراطية بحجة عدم نضوجه او عجزه عن امتلاك تقافتهامحاولة ليست بريئة ، فهي تعكس فهما غير صحيح للمجتمع واساءة له ، كما انها تعفي النخب الفاعلة في الدولة من تحمل مسؤولياتها ، فالمشكلة هنا ليست فقط في المجتمع ، وانما في تعطل ماكينة السياسة وفقر مناخاتها ، وفي الظروف التي ولدت لدى الناس ما يشبه القناعة ان افرازات الصناديق لا تمثلهم . اعرف - بالطبع- ان احد القراء سيواجهني قائلا : اين هي التجربة الديمقراطية التي يمكن ان ندافع عنها..؟ قارئ آخر سيقول : اعطني ديمقراطية مثل التي تعيشها تركيا وانا على استعداد لحراستها بكل ما لدى من امكانيات ، قارئ ثالث سيتهمني ربما “ بخطأ المقارنات “ بين ديمقراطية لم تتكمل لدينا وبين ديمقراطيات ناضجة ذاق الناس طعمها فخرجوا ليدافعوا عنها حين تعرضت للخطر ، قارئ رابع سيذكّرني انه كان لدينا في مطلع التسعينيات تجربة ديمقراطية ساهمت في انعاش في المجتمع واعادة الحيوية اليه ، لكنها تراجعت ، ثم يمكن ان يسألني : هل لديك امل باستعادة هذه التجربة.؟ اوافق على كل هذه المداخلات واحترمها ايضا ، لكن لدي انطباعان اثنان من “وحي” ما حدث في تركيا قبل يومين : احدهما ان “هبّة” الشعب التركي جاءت في سياق الدفاع عن انجازه الذي تمثل في الديمقراطية ، وحين فعل ذلك فانه وضع امامه مصلحة تركيا اولا ، ولم يخرج دفاعا عن الرئيس اردوغان او حزب العدالة والتنمية ، وقد كان لافتا ان الجماهير التي نزلت للشارع رفعت علم تركيا فقط وهذا مفهوم - بالطبع - لان الاتراك حسموا “هويتهم” الوطنية والقومية رغم تعدد مكونات مجتمعهم ، وخرجوا من دائرة توظيف الصراع على السياسة حين يكون الصراع على حساب مصلحة الوطن الى دائرة مواجهة الاخطار التي تتهددهم حتى لو كان الذين قاموا بها من ابناء جلدتهم. اما الانطباع الثاني فهو ان اعضاء “نادي النخبة” التركي ، بما فيهم سياسيون واعلاميون ورجالات دولة تجاوزوا خلافاتهم مع اردوغان وحكومته وانحازوا الى تركيا وتجربتها الديمقراطية ، لم يتأخر احد منهم ابدا، حصل ذلك لانهم استشعروا واجبهم الوطني ومسؤوليتهم السياسية والاخلاقية ، ولم يترددوا رغم ان امكانية “صمتهم “ ستكون مقبولة ، كما ان انسحابهم من الساحة التي لم تستمر فيها الاحداث الا بضع ساعات كان متاحا وبدون ان يتعرضوا لاي انتقاد. اتمنى ان لا يلاحقني احد هنا بتهمة “خطأ المقارنات “ ، لكن سأشير فقط الى ان مجتمعنا عاش هذه التجربة اكثر من مرة ، احداها حين تعرضت ثلاثة من فنادقنا لتفجيرات ارهابية ، والثانية حين جرى “احراق” الشهيد معاذ الكساسبة من قبل تنظيم داعش الارهابي ، حيث توحد الاردنيون خلف بلدهم وافرزوا افضل ما لديهم من صور التضامن والتكاتف ، صحيح ان العنوان الذ وحدهم كان “امنيا” لكن الصحيح ايضا هو ان الاردنيين يمكن ان يتوحدوا على قضية ويجتمعوا على هدف ، واذا كان الامن لديهم اولوية فلم لا تكون الديمقراطية اولوية ايضا..؟ في المقابل حدث عكس ذلك من قبل “النخب” حيث شهدنا في اكثر من ازمة مر بها بلدنا ( آخرها احتجاجات الشارع وازمات معان وذيبان ..الخ) ان بعض الشخصيات المحسوبة على الدولة وبعض رجالات “الوطن” انسحبوا ( اختفوا : ادق) من المشهد ، ثم انزووا بعيدا وكأنهم لا علاقة لهم بما يحدث ، حصل ذلك لان حسابتهم تقاطعت في لحظة ما مع حسابات الدولة حين خرجوا من مواقعهم فيها ، ولم يرغبوا في ان يسجلوا على انفسهم اي موقف ، انتظارا لما ستنتهي اليه الاوضاع. بالعودة الى السؤال الاول : هل الديمقراطية هي خيار الاردنيين ..؟ الاجابة نعم ، ولكن المشكلة في وجود هذه التجربة الديمقراطية وفي ممارستها واقناع الناس بها ، لانها حين تكون ناضجة ومستقره ستجد ان كل الاردنيين يقفون معها ويدافعون عنها ، ابتداء من الاقبال على صناديق الاقتراع وانتهاء بحمايتها من محاولات العبث بها او “التسلق “ على جدرانها ايضا. الدستور