×
محافظة مكة المكرمة

شركات عالمية في معرض المكائن والمعدات

صورة الخبر

قبل أيام دُعيت إلى حفل لتكريم أخي المتقاعد من مدرسة يحيى بن أكثم المتوسطة في الطائف، وكان الحفل جميلاً ومتواضعاً إلا أنني لم أشاهد إلا زملاءه المعلمين من الأولين والآخرين الذين عاشوا بين جدران تلك المدرسة، وقد شعرت بمدى الحب والألفة بينهم، وإن تخللها بعض الحشرجات الحزينة، وهم يودعون بعضهم في شريط ذكريات امتد لأكثر من ثلاثة عقود، شعروا خلالها بأنهم قاموا بواجبهم وأدوا ما عليهم. المتقاعدون من ذلك الرعيل الأول، بكل أمانة، هم الذين بنوا قاعدة صلبة، وأسسوا نواة تنمية هذا الوطن، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وكان منهم من مشى على قدميه، ومنهم من صرف من جيبه، ولا ضير حينما نُذكّر بتلك الفئة المنسية، أو نشفق على من تقاعد، بعد أن بلغوا من الكبر عتيا، خاصة أن أكثرهم قد أثقلت كواهلهم الديون، ونخرت أجسامهم الأمراض. إن التقاعد عن العمل هو سنة الحياة للصغير والكبير، وهو ليس نهاية الحياة، بل هو بداية حياة جديدة، لا قيود فيها، قد تكون أكثر عطاء، وأكثر راحة، يراجع فيها المتقاعد نفسه، ويهنأ بها مع أسرته، بالرغم من نظرة البعض السلبية نحوهم، وكأنهم منتهو الصلاحية، كما يرى أصحاب المناصب الفاعلة إذا فقدوا كثيرا من مميزاتهم، ولذلك فأنا لا أرتاح لسماع كلمة متقاعدين، أو كلمة (مت قاعد)، لأنها تعني في اللغة المتكاسلين أو المتقاعسين، والمعتزلين في كثير من المجالات. ولدينا تشير الإحصاءات إلى ما يقارب مليون متقاعد ومستفيد يتبعون للمؤسسة العامة للتقاعد بعد أن انفصلت إداريا وماليا عن وزارة المالية، ولها فروعها في كثير من مدن المملكة، إلا أن مسؤولية تلك الفروع لا تتعدى إصدار بطاقة أو تعريف بالراتب، ولعل من أبرز إيجابياتها فك احتكار البنك العربي لرواتب جميع منسوبيها، يضاف لها حرصها على استثمارات حقوق المتقاعدين المالية، وهو الأمر الذي جعل من بقي من هذه الفئة، يطالبون بتفعيل حقوقهم، من تلك الاستثمارات التي يعلن عنها. في دول عربية مثلاً العلاوة السنوية للمتقاعدين مستمرة، وفي أخرى تقدم لهم إعفاءات لبعض رسوم الخدمات الحكومية، وفي بعض دول أوروبا يلقب المتقاعدون بـ «كبار المواطنين»، وتقدم لهم تخفيضات ويلقون معاملة حسنة. أليس من حق المتقاعد لدينا، وعلى أقل تقدير، أن تسهل له منحة أرض، لمن يثبت بأنه لا يملك سكنا خاصا له ولأسرته، ونحن نعلم أن مساحة مملكتنا تفوق مساحة فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا واليونان مجتمعة؟ أليس من حقهم علينا البحث لهم عن تسهيلات، كإعفائهم من بعض فواتير الخدمات والرسوم أو تخفيضها لأدنى حد يفي ببعض تطلعاتهم؟ أليس من واجب الخطوط السعودية مثلا، تخفيض التذاكر لهم بالقدر المناسب وفي الوقت المناسب كما تفعل مع موظفيها المتقاعدين؟ إن الأرباح المتنامية التي تحققها المؤسسة لا يستفيد منها المتقاعدون، والراتب المتجمد الذي يحصل عليه المتقاعد عند منتصف كل شهر هجري ليس صدقة، ولا منة، وإنما هو رصيده طوال عمره، عندما يختزل منه 9% شهرياً، وهي نسبة عالية مقارنة ببعض الدول، وأقلها في المميزات. إذا وصل الفرد في مجتمعنا إلى سن التقاعد تكون لدى بعضهم أسرة كبيرة، ومطالب كثيرة، ويحملون هم السكن والإيجار، ويؤرقهم كابوس الفواتير والأسعار، ومن خشي منهم على مستقبل أبنائه، يضطر إلى طرق أبواب الجمعيات الخيرية، والحقيقة فإن أمام المؤسسة العامة للتقاعد تجارب ناجحة يمكن الاستفادة منها، على سبيل المثال ما تفعله شركتا أرامكو السعودية و«سابك» وقطاعات في بعض الوزارات، إلا أنها ما زالت ترفض حتى مطالب مجلس الشورى منذ أكثر من عشر سنوات، بحجة التوازن المالي، ولكن الأمل كبير في إعادة النظر في آلية إدارة هذه المؤسسة لنصل إلى تحقيق بعض آمال المتقاعدين.