لأن العيدية لدى الصغار هي من أهم معالم العيد وبهجته، يحاول الكبار أن يجعلوا فائدتها أكبر من مجرد إنفاق المال، من خلال استغلالها لغرس الكثير من المعاني والقيم والمفاهيم لدى الصغار، وبرغم أن الأهل غالبا ما يتركون الحرية الكاملة للأبناء لإنفاق العيدية -التي تعد أموالا خاصة بهم- إلا أن هناك من يقدم لهم بعض النصائح بضرورة الإنفاق الرشيد لها، أو عدم شراء الأشياء الضارة أو المؤذية، أو التصدق بجزء منها على المحتاجين وهكذا، وظل الأمر فرديا يخص كل أسرة، لكن الجديد أن نرى فكرة لاستغلال العيدية وغرس الكثير من القيم والمفاهيم، تلتف حولها عائلة بكاملها ويشارك كثير من أفرادها في هذه المهمة حتى أضحت تقليدا جديدا للعائلة، جذب أخرى للاحتذاء بها في العيدين. تشرح الداعية والمستشارة التربوية أنوار الغيثاني لـ «العرب» تفاصيل «معرض الغياثين» الذي تقيمه عائلتها في كل عيد منذ 3 سنوات: «العيدية التي يتلقاها الصغار في العيد كانت هي محور الفكرة، ففي كل سنة وتحديدا في اليوم الثالث من عيد الفطر المبارك نقوم بتجهيز معرض صغير لعرض وبيع بعض المقتنيات التي تهم غالبيتها الصغار من ألعاب وأكواب ملونة وأدوات وحلوى ومشروبات، وكل الأغراض التي يمكن أن تجذبهم وتدفعهم لشرائها، فبدلا من يقوم أطفال العائلة بإنفاق عيدياتهم على البقالات والمجمعات والسوبر ماركت لشراء ألعاب يمكن أن يكون فيها ما يؤذيهم أو يضرهم بعيدا عن أعين الأم أو الأب، فكرنا أن نوفر للطفل مثل هذه الألعاب والأغراض التي يفضلها في العيد، فتكون تحت رقابتنا وفي الوقت نفسه نغرس فيه عددا من القيم الجميلة مثل التبرع ومساعدة الآخرين وعمل الخير، ومن هنا كانت فكرة المعرض الخيري الذي يقتصر على أفراد عائلتنا -وهي والحمد لله كبيرة وممتدة- حيث تقوم كل واحدة من الأمهات بالمشاركة في المعرض بأي غرض موجود عندها، بشرط أن يكون جديدا غير مستخدم نهائيا، كلعبة زائدة لدى الأبناء، أو هدية جاءتها لم تستخدمها، أو ألعاب كانت مخزنة لديها بكرتونتها دون أن تستخدم، وأي أغراض أخرى يمكن أن تجد رواجا في معرضنا -حيث يكون البيع للكبار أيضا وليس الأطفال فقط- ومن ليس لديها أي شيء تقوم بشراء بعض الهدايا الآمنة مثل المكعبات والتركيبات ومسدسات الصابون والألعاب القماش وغيرها من الأغراض، أو إحضار أي أغراض فائضة في البيت لا تريدها وعرضها في المعرض، أو حتى التبرع بمبلغ نشتري به بعض الأغراض، وأقوم بتجهيز مكان خاص للمعرض في بيتي ونعمل على أن يخرج بشكل جميل وجاذب، ويساهم الصغار في التجهيز والبيع وفي كل الخطوات كأصحاب مشاريع، ونحقق من هذا المعرض عدة أهداف في الوقت نفسه، فينفق الصغار عيدياتهم على ألعاب آمنة تحت أبصارنا، وفي الوقت نفسه نعلمهم أن ريع البيع سيتوجه إلى إحدى الجمعيات الخيرية الموجودة في الدولة للمساهمة في أي من المشروعات، والتي نشركهم أيضاً في اختيارها ونكلمهم عنها، فيكون لديهم حماس كبير للمشاركة، فيعرفون أنهم كما فرحوا في العيد عليهم أيضاً المشاركة في إسعاد أطفال آخرين، ولا تتخيلي كيف أصبح أطفال العائلة حريصين على عيديتهم ويحتفظون بها أو بغالبيتها حتى يوم معرضهم المنتظر، فتعلموا أن يستخدموا عيديتهم ومالهم الخاص فيما ينفع أمتهم، وأن يتشاركوا ما بيدهم مع الآخرين». « مشاريع الخير للاطفال» وتابعت «مؤخرا توجهنا إلى «قطر الخيرية» لنرى ماذا لديهم من مشروعات للأطفال، ووجدنا لديهم أفكارا رائعة، منها دليل «مشاريع الخير للأطفال» وأخذنا منه مجموعة لعرضها في معرضنا، ونقدمها للأطفال للاطلاع عليها واختيار مشروع خاصة بهم يقومون بالمساهمة في تمويلها، فمنها مشروعات بسيطة وجميلة، مثل التبرع لشراء مريول للمدرسة لعدد من الطلاب، أو سماعات للأذن للأطفال وغيرها من المشروعات الصغيرة بتكلفة يمكن للطفل المساهمة فيها أو تبنيها بالكامل، وهكذا يكون فعل الخير حاضرا في كل تفاصيل المعرض، بداية من التبرع لإقامته، مرورا بمعرفة الأطفال أن ريع الأشياء التي اشتروها سيتوجه إلى مشروع خيري، ثم اطلاعهم على المشروعات القائمة في دليل الخير ليختاروا منها ما يقومن بتبنيه والتبرع له في الأيام الأخرى غير العيد، فيكونوا دائما على تواصل مع مثل هذه الأمور المفيدة والنافعة للأمة الإسلامية، كما نعرض أيضاً بالمعرض «حصالة الخير» التي تقدمها قطر الخيرية وهي علبة ملونة جميلة تجذب الطفل ويكون اسمه مكتوبا عليها، حيث يضع فيها طوال العام أي مبلغ ولو صغيرا من ماله الخاص كمصروفه أو مكافأته أو عيديته، وفي النهاية يقدمها لقطر الخير ويتبرع بما داخلها لأحد المشروعات التي يختارها، والحمد لله كان هناك أيضاً إقبالا كبيرا عليها من أطفال العائلة، كما وزعنا في معرض دليل مشروعات خيرية للكبار أيضا». زيارات خارجية وأوضحت الغيثاني أن الفكرة نالت إعجاب كل من علم بها وأن بعض العائلات الأخرى طلبت التعرف على تفاصيل التجربة لتطبيقها لدى أفرادها «وهناك من قام بالفعل بزيارة المعرض للتعرف عليه من قرب وتكرار الفكرة لديهم، فضلا عن طالبات الجامعة اللاتي أدرس لهن، حيث تحمسن لها جدا عندما أخبرتهن بها، وطلبن مني زيارة المعرض لتنفيذ الفكرة في عائلاتهم، ونال إعجابهم بشكل كبير، وكذا ترتيبه وتنظيمه وتزيينه المبهج بالفوانيس والزينات المحببة للكبار والصغار»، وشددت الداعية الإسلامية على الاهتمام بمشاركة الصغار معها في كل تفاصيل أعداد المعرض وكيفية توجيه التبرعات وعائدات البيع والاستغلال الأمثل لها «أي مقترح من الأطفال لا أهمله أبدا، بل على العكس اهتم به، كما ألفت النظر أن هذا الشيء تم بناء على رأي أو مقترح فلان، ليشعروا أنهم فاعلون في كل الخطوات، وأنا سعيدة للغاية بنجاح هذا المعرض الخيري وبالنتائج التي نراها على أطفالنا وتمكنا من خلاله من غرسها فيهم وسعيدة أيضا بإقبال العائلات الأخرى على تبنيه فكرته وإقامته لأن غرس القيم في أبنائنا أمر مهم للغاية.;