لا شك في أن كرة القدم لعبة جماعية، وبالتالي لا يمكن أن نعزو الفضل فيها لشخص واحد، مثلها مثل الإعلام المرئي أو المكتوب أو المسموع، ولكن في الوقت نفسه هناك أفراد ضمن هذه المجموعات يصنعون الفارق ويضيفون للمجموعة؛ لا بل أحيانا يصنعون التاريخ لأمة بأكملها، لأنهم بكل بساطة «استثنائيون». وقد يكون مارادونا هو المثال الأوضح على تميز الفرد ضمن المجموعة، فالرجل قاد بلاده لكأس العالم بأداء أسطوري في المكسيك عام 1986، وإذا كان هدفه الأول في مرمى الإنجليزي بيتر شيلتون كان باليد، فإن هدفه الثاني لم يترك أي مجال للشك في أنه لاعب بمجموعة، فراوغ 6 لاعبين لمسافة 60 مترا، وسجل هدفا قيل إنه هدف القرن العشرين، وهزم ألمانيا، ليتوج أفضل لاعب أيضا في كأس العالم. ولأنه استثنائي، فقد حول نابولي الإيطالي الذي لعب له بين 1984 و1991 إلى بعبع بعدما كان فريقا عاديا، وتوج معه بالدوري مرتين 1986/ 87 و1989/ 90، وبكأس إيطاليا 1987، وكأس السوبر 1990، وكأس الاتحاد الأوروبي 1989، ووصافة الدوري موسمين. ولن أدخل في جدلية شخصية مارادونا، ولكن الرجل يستحق لقب لاعب القرن العشرين بالمشاركة مع بيليه، ولا شك أن هناك لاعبين كبارا آخرين في العالم؛ أمثال البرازيليين رونالدو وسقراط ورونالدينهو وروبرتو كارلوس، والأرجنتيني باتيستوتا، والفرنسيين زيدان وبلاتيني، والسويدي إبراهيموفيتش، ولكن تبقى لميسي ورونالدو قصة مختلفة، فقد كانت الكرة الأرضية محصورة فيهما ومنقسمة بينهما، والآن يقود رونالدو بلاده لنهائي أمم أوروبا يوم الأحد أمام فرنسا التي لم تخسر أمامها منذ عام 1975، ولكن رونالدو يصنع المجد لبلاده، وكذلك قد يكتب تاريخا جديدا لها، وهي التي لم تفز بلقب (كبير على مستوى الكبار وليس الفئات العمرية)، ومثله فعل زميله في ريال مدريد الويلزي غاريث بيل الذي قاد منتخب بلاده لأداء تاريخي في البطولة نفسها، وخسر من رونالدو تحديدا في مباراة للذكرى. ومثل هؤلاء الأفراد كرمتهم شعوبهم وقادتهم وصنعوا التماثيل لهم رغم أنهم يلعبون ضمن مجموعة، وهذا قطعا لا يلغي ولا يقلل من البقية بقدر ما هو اعتراف علني أن فردًا استثنائيا هو كل ما تحتاجه الأمم؛ ليس على صعيد الكرة فقط، بل على كل الصعد، ليضع بلاده على الخريطة السياسية والثقافية والأدبية والرياضية والإنسانية، كما فعل مثلا الروائي غابرييل غارسيا ماركيز مع بلاده كولومبيا التي وضعها على خريطة الشهرة والأدب بعدما كانت مشهورة فقط بتجارة المخدرات، وكوفي عنان مع غانا، ونيسلون مانديلا مع جنوب أفريقيا، وآخرون وضعوا دولا صغيرة في ذاكرة شعوب الأرض قاطبة، ومثل هؤلاء هم من نحتاج لاكتشافهم ورعايتهم في دولنا.