ونحن نُوَدع رمضان، نودع معه طقوساً تقترن به، ومنها السهر حتى الفجر لأن ليله قصير، ومنها الدراما الموسمية التي تُغطي معظم الشاشات، وتعد خصيصاً للشهر الكريم، رغم أن هذا الطقس فقد كثيراً من وهجه، ليس فقط بسبب وجود ما يُنافسه من وسائل الترفيه خصوصاً ما له صلة بالتكنولوجيا، بل لأن هذه الدراما أصبحت متكررة، ووقع الحافر على الحافر فيها أصبح ملحوظاً بقوة ليس لأن الواقع فقير بموضوعاته وما يعج به من شُجون، بل لأن إدمان ذوي الشأن في هذا المجال على ما هو سهل يُغري بالتكرار. ولو قارنا بين واقعنا العربي في السنوات الأخيرة وبين ما كان عليه قبل ثلاثة أو أربعة عقود لوجدنا أنه الآن أشبه بمنجم، فالقضايا ازدادت تعقيداً، ونشأت هموم جديدة شملت السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية لكن تحويل الفن إلى سلعة وهاجس الربح السريع بدأ يحرمنا من أعمال جيدة وقادرة على عبور الأجيال، والدليل على ذلك هو أن ما كان يُبث قبل عدة عقود نشاهده الآن كما لو أنه أُنجز البارحة، لأن مُجمل المقاربات الفكرية والمعالجات الفنية كان يخضع لشروط صعبة وليس بمتناول الهواة، أو المقاولين الذين لا يفرقون بين الدراما وتجارة الملابس المستعملة! وما طرأ على واقعنا خلال هذه الفترة من موجات اللجوء والعنف المتبادل والاضطراب الذي تسلل إلى النسيج الاجتماعي بقي خارج الدراما التجارية والموسمية، وربما لهذا السبب لم يكن الإقبال في العامين الأخيرين على الدراما الرمضانية كما كان من قبل. فالتكرار لم يشمل الموضوعات فقط، بل شمل حتى الإعلانات والعناوين! ولا ندري لماذا يُصر بعض صُناع هذا الفن على أن البشر توقفوا عن النمو عند مرحلة ما، وأن ما كان يجتذبهم سيظل كذلك رغم أنهم أصبحوا في زمان آخر وتبدلت أسئلتهم، لكن الإجابات بقيت هي ذاتها! خيري منصور