لم يتفق الكتّاب والمنظمات المعنية بمكافحة الفساد على تعريف محدد له، فقد عرفه بعضهم بأنه إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص، وعرفه آخرون بأنه إساءة استعمال الأدوار أو الموارد العامة للفائدة الخاصة، في حين ذهب بعضهم إلى تعريفه بانه استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح أو منافع خاصة. وعرفه البنك الدولي في تقرير التنمية الصادر عام 1997 بأنه سوء استغلال السلطة العامة من أجل الحصول على مكاسب شخصية. فقصرت كل تلك التعاريف للفساد على إساءة استعمال السلطة، فيما اتفق الكل على أنه شر مطلق، وأقرت كل الشعوب بهذا المعنى والشعب المغربي ليس بدعاً. وبتأكيد أن سيادة رئيس الحكومة يعي كل هذا وأكثر، وكيف لا يعيه وهو الذي جعله شعاراً انتخابياً له وحسمت الانتخبات على أساس هذا الشعار الذي يتفهمه الجمهور المغربي جيداً. كما يعرفه الموظف الذي أعطى المنصب إلى ابنة رئيسه بالسلم رقم 11، في حين أن هذه رتبة في الوظيفة العمومية لا يصل لها الموظف العادي إلا بعد خدمة أكثر من عشرين سنة، وعليهأان يجتاز شروطاً معينة، فيما وصلت ابنة رئيس الحكومة ذات الشهادة في العلوم الإسلامية التي لا تخولها البتة لإشغال هذا المنصب بهذا السلم في لمحة بصر. فهل حارب سيادة رئيس الحكومة الفساد؟ الجواب جاء على شكل خبر تناقلته وسائل الإعلام المحلية، أن رئيس الحكومة تدخل لتوظيف ابنته سمية بن كيران في منصب بالأمانة العامة للحكومة، فيما كانت حجة رئيس الحكومة المغربية على العاطلين في مقابلة مع الإعلامي أحمد منصور على قناة الجزيرة، هو أنهم لم يجتازوا الآليات المتبعة للاستفادة من الوظيفة العمومية. فهل اجتازات سمية بن كيران الامتحان؟ وإن كانت اجتازته كيف ذلك وهي لا تملك شهادة لإشغال ذاك المنصب؟ ولماذا يجتازون الامتحانات عندما يكون آباؤهم وأقاربهم في الحكومة ولا نسمع لهم صوتاً عندما يكونون خارجها؟ لماذا عندما يجتازون ذلك الامتحان المزعوم الذي لا يعرف أحد له مكان ولا تاريخ، تكون المناصب التي يستفيدون منها، قريبة من صلاحيات آبائهم، وعلى أيدي الموظفين الذين تحت سطوة آبائهم؟ كل هذه الأسئلة لم تجب عليها سمية بن كيران، واكتفت بالهجوم على من قالت عنهم الحاسدين والحاقدين، في تدوينة قال عنها الموقع الرسمي للحزب إنها نارية جاء فيها: "إذا أردتم ألا أتوظف جردوني من مواطنتي وانزعوا عني مغربيتي". هذه هي التدوينة التي قيل عنها إنها نارية، مع أنه لم يقل أحد إنها ليست مواطنة أو إنها ليس من حقها أن تتوظف أو أشار أحدهم بأن تنزع عنها مغربيتها، إنما طالبناها أن تكون إنسانة ذات مروءة وأن تدخل البيوت من أبوابها. وكانت لنا مطالب، منها أن يفي سيادة رئيس الحكومة المغربية، بالوعود التي قطعها لنا بمحاربة الفساد والاستبداد، تلك الوعود التي على أساسها أخد أصواتنا. وأن يقوم بعمله بتمثيل كل المغاربة، الذي عليه يأخذ راتبه من عرق جبيننا ومن جيوبنا التي أنهكتها الضرائب، وليس بتمثيل الأقارب والأحباب. هذه هي القضية، وليست القضية أن هناك من يريد أن يجردك من وطنيتك، أو أن يجردك من مغربيتك. سمية، الله يأمر أن تؤدى الأمانات إلى أهلها، وأن تدخلوا البيوت من أبوابها، وأنت خنت الأمانة، ولم تدخلي البيت من بابه، وانتهكت حقاً من حقوق مليون وربع المليون عاطل. وإن كنت تمتلكين الشهادة والمؤهل فهذا لا يعطيك الحق في أن تتجاوزي العقد المتفق عليه مع جميع المغاربة. ونحن لا نحتاج أن نذكر سيادة رئيس الحكومة بهذه الواقعة، أن تسرب خبر تعيين نجل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على رأس مقاطعة «لاديفونص» كان كفيلاً بإنهاء كل حظوظ الرئيس نيكولا ساركوزي بالفوز في الانتخابات رئاسية القادمة. كما لا نحتاج أن نذكر الرئيس، أن المجتمع الناجح هو المجتمع الذي يفتح الطريق أمام جميع أبنائه نحو المناصب، كما لا نحتاج أن نذكر الرئيس أن الخاسر الأكبر هو المغرب، لأنه يفقد ثقة أبنائه في عدالته ويدفعهم إلى البحث عن هذه العدالة في مكان آخر. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.