السياسة الأميركية قائمة تحديداً على صناعة الأزمات من أجل إنتاج واقع جديد، والصناعة هنا لا تعني بالضرورة التدخل المباشر، وإنما تهيئة الأسباب التي تؤدي الى الأزمة أو السكوت عنها، ثم تتدخل الإرادة الأميركية في إنتاج واقع جديد تحت ذريعة «المعالجة» للواقع السيئ، أي الأزمة. صدام حسين لم يحتل الكويت من دون إشارات مسبقة من الإدارة الأميركية أو إيحاءات، على أقل تقدير، بعدم التدخل إذا ما أقدم على الخطوة الرعناء تلك! وعندما احتل الكويت تدخلت الإرادة الأميركية في شكل مباشر وجلبت الجيوش والأساطيل الى الخليج العربي تحت ذريعة تحرير الكويت من قبضة المحتل العراقي، ثم تحققت الأهداف الأميركية. الولايات المتحدة أعادت إنتاج السياسة نفسها عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 عندما أعلنت الحرب على الإرهاب والدخول في حروب إستباقية جديدة تحت ذريعة حماية الأمن القومي الأميركي، الأمر الذي أتاح لها حرية التدخل في الدول المُصنفة داعمة للإرهاب. كما أن واشنطن أعادت إنتاج تلك السياسة من جديد مع إيران عندما أعلنت إدارة الرئيس أوباما التوصل الى اتفاق نووي مع طهران في وقت حرج تعيشه المنطقة شكلت فيه الإستراتيجية الإيرانية التوسعية جزءاً رئيساً من تعقيده على المستوى الإقليمي والدولي، والولايات المتحدة تعلم جيداً أن رفع العقوبات الإقتصادية سيؤدي الى انتعاش الإقتصاد الإيراني، وستزيد طهران من حجم الإنفاق المالي على سياساتها الخارجية الداعمة للإرهاب والتطرف وإنتاج الفوضى في المنطقة العربية والأفريقية. قال مدير الإستخبارات الأميركية جيمس كلابر في مقابلة مع قناة «سي ان ان» أن تنظيم «داعش» الإرهابي قادر على شن هجمات على الولايات المتحدة مماثلة لتلك التي وقعت في باريس وبروكسيل. بما أن فوبيا «داعش» فاقت فوبيا «القاعدة»، فتلك أقامت كياناً لها على مساحات واسعة من أراضي العراق وسورية. على الجهة المقابلة هناك «ماعش»، وهي الميليشيات وفرق الموت التي تقودها طهران في حرب مصيرية لبسط النفوذ الإيراني على مناطق واسعة تقع على الحدود الأردنية والسورية مع العراق، ضمن السياسة الإستراتيجية التوسعية لإيران. الولايات المتحدة تركت إيران تعبث من جهة و«داعش» تتوسع من جهة أخرى، من أجل اتساع نطاق الأزمة الإقليمية التي ستؤدي بنهاية المطاف الى إنتاج واقع جديد من خلال إعادة تقسيم المنطقة، حتى في مرحلة ما بعد «داعش»، فالخيار الدولي سيتبع سياسة تقضي بإعادة إنتاج واقع جغرافي جديد. ربما لا ينبغي أن نرفض المبدأ من الأساس، أي إعادة رسم خريطة جديدة في المنطقة، خصوصاً ان الحدود الحالية هي نتاج معاهدات دولية قسمت المنطقة العربية، لكن في الوقت نفسه لا ينبغي على العرب القبول بأن تصاغ الخريطة الجديدة على أسس طائفية. وينبغي على القوى العربية، كمصر والسعودية ودول الخليج العربي والأردن والمغرب والسودان، ان يوحدوا جهود العرب في مشروع قومي عربي من أجل التصدي للمشروع الإيراني وعدم التفريط بالشيعة العرب لمصلحة إيران، وكذلك العمل بجدية لاسترجاع الحق العربي المغتصب من إيران، الأحواز والجزر العربية الاماراتية الثلاث، ودعم مشروع دولي لإنقاذ العراق.