فرنسا الأقرب إلى العرب ثقافياً وتاريخياً، وأوروبا مطالبة بالتصدي للهيمنة الأمريكية، لم آكل على مائدة أحد قط، حريتي الشخصية في أمكنة سفري،في داخلي شاعر يحرسني ويدافع عني. هذه وغيرها العشرات عناوين حوارات مع شعراء وروائيين ورسامين أجريتها مطلع تسعينات القرن الماضي لمجلة الشروق، أي أن هناك نحو عشرين عاماً بين ما قيل بالأمس وربما يصلح أو لا يصلح في إطار ما يقال اليوم. خذ هذا العنوان لأحد الكتاب في 6/12/1995، العنوان يقول فخري قعوار: صندوق دعم للكاتب العربي، وها هي حوالي عشرين عاماً مرت على ذلك التصريح ولم ير الكاتب العربي لا صندوق دعم، ولا أي صندوق آخر. وهذا مما كان يقال قبل عقدين من الزمن ليتبين بعد ذلك أنه مجرد نوع من الاستهلاك اللفظي لا أكثر الذي عرفه الكتاب العرب تحديداً في سبعينات وثمانينات القرن الماضي عندما كان الكتّاب المسيسون يلقون بظلالهم الثقيلة على الهيئات الإدارية لاتحادات ونقابات وروابط الكتاب العرب، بل أكثر من ذلك كان شائعاً ما يمكن أن يسمى (مافيات الأدب) أو (عصابات النقد الأدبي)، وهؤلاء كتاب كانوا ينتمون إلى تنظيمات وأحزاب سياسية أغلبها فلسطينية موزعة ما بين اليساري واليميني والقومي والناصري والبعثي وإلى آخره ، فإذا كان الشاعر يسارياً هب لنجدته نقدياً وترويجاً وتسليعاً نقاد وكتاب اليسار وإذا كان الكاتب يمينياً، أيضاً وبالأسلوب نفسه هب لنجدته ثقافياً أو انتخى له كتاب الأحزاب والتنظيمات اليمينية. أما بعض من كان يتبجح من كتاب تلك الفترة ويقول إنه لم يأكل على مائدة أحد، فقد شبع من الأكل اليوم وبالأمس القريب على موائد الكثير من السياسيين والحزبيين الانتهازيين. هذا، بالطبع، غير الهدايا والعطايا والمطايا، فانقلبت الحكاية.. اليساري صار يمينياً، واليميني صار يسارياً، والأخ المناضل أبو الشعارات بعدما كان (خندقياً) صار (فندقياً) وبعدما كان (على البلاط) صار موظفاً كبيراً (في البلاط). وكل ذلك بحسب المعلومات الواردة في التقارير، أو الرقم المكتوب على الشيك. ببساطة إشعال عود كبريت. أما أن فرنسا هي الأقرب للعرب ثقافياً وتاريخياً، فهذا صحيح تماماً لكن في حوالي عقدين من الزمن.. هل أصبح العرب هم الأقرب ثقافياً إلى فرنسا؟ هذا مشكوك فيه. أما أن أوروبا مطالبة بالتصدي للهيمنة الأمريكية، ففي حوالي عقدين أيضاً قام الاتحاد الأوروبي وحدثت فيه فجوة بريطانية منذ أيام.. ولا هيمنة أمريكية تستأهل التصدي. ما أكثر العناوين الثقافية والسياسية التي كانت تلعلع في السنوات البعيدة الماضية.. وانطفأت اليوم مثل عود كبريت. يوسف أبولوز yosflooz@gmail.com