مثلما كان متوقعا لم ينجح مؤتمر (جنيف 2) في تحقيق أي تقدم للقضية السورية، لم تفتح الممرات الإنسانية للمدنيين المحاصرين في العديد من المدن والقرى السورية، لم يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار في أي من الجبهات المشتعلة ليل نهار، ولم تتم مناقشة قضية ملايين اللاجئين السوريين داخل وطنهم وخارجه، بل كل ما حدث هو منح جزار دمشق المزيد من الوقت كي يواصل تدمير سوريا وقتل السوريين بلا رحمة، وفوق ذلك الاعتراف به كطرف مفاوض بدلا من تقديمه هو وأزلامه إلى المحاكمة الدولية. لو فعل بشار وأتباعه ربع ما فعلوه في سوريا في أي مكان آخر في هذا العالم، لكان مكانهم المحكمة الدولية في لاهاي وليس فنادق جنيف الفاخرة، ولكن المعادلات الأمريكية الروسية اقتضت أن يحصل الجزارون على رحلة سياحية يستطيعون خلالها تمييع الكارثة الإنسانية، وكسب المزيد من الوقت، وتعزيز مشاعر الإحباط في قلب كل سوري يأمل أن تخرج بلاده من هذا النفق المظلم الطويل. هكذا تمت مساواة الجزار بالضحية، ومنح القاتل مقعدا مساويا لمقعد القتيل، وغابت العدالة الدولية بقرار دولي، وأضحت المتطلبات الإنسانية الأساسية أوراقا للتفاوض والمساومة، كان المعلم والجعفري وبثينة شعبان ولونا الشبل يتبخترون في ردهات المؤتمر بعد أن غسلوا ملابسهم من دماء المدنيين السوريين وهم واثقون من أن اللعبة الدولية تسير لصالحهم، فهم اليوم مفاوضون بإمكانهم أن يرفضوا التوقف عن القتل، وبإمكانهم أن يقبلوا التخفيف منه، بل إن بإمكانهم أيضا أن يقترحوا طرقا لكيفية إعادة انتخاب الأسد من خلال منح الجثث المتفحمة حق التصويت، أو تنظيم اللجان الانتخابية عن طريق الاستعانة بالبراميل المتفجرة!. لم يكن المجتمع الدولي (يستأنس) برأي الحكومات التي تورطت بدماء المدنيين في العراق أو يوغسلافيا أو السودان أو أي مكان آخر في العالم، بل كانت الممرات الآمنة ومناطق الحظر والمساعدات الإنسانية تفرض بقرارات من مجلس الأمن، ولكن في الحالة السورية كانت الصفقات السياسية بين الدول الكبرى أهم بكثير من دماء الأبرياء؛ لذلك كانت جميع الأطراف تتسلى بمهزلة جنيف، وتصر على مشاركة جزاري دمشق كي يبدوا رأيهم في جرائمهم، وهي واثقة تمام الثقة بأن مثل هذه المفاوضات العبثية سوف تصل إلى طريق مسدود، ولعل القوى الدولية كانت تبحث عن هذا الطريق المسدود بالذات كي تقول للرأي العام العالمي بأنها فعلت ما عليها، ولكن السوريين هم الذين يفضلون الاستمرار في قتل بعضهم البعض. غياب العدالة الدولية يعني بالضرورة تصاعد الإرهاب، حيث لا حل لمواجهة هذا الموت المكشوف إلا بصناعة المزيد من الموت، فقد تجاهل العالم وحشية هذا النظام الذي لم يتردد لحظة واحدة في استخدام كل وسائل القتل الجماعي والتجويع والتهجير، وفوق ذلك قبل به شريكا في صناعة الحلول؛ لذلك فإن مؤتمر (جنيف 2) مثلما منح مشروعية دولية لجرائم الأسد، فإنه منح ــ في الوقت ذاته ــ مشروعية لعمل التنظيمات الإرهابية في سوريا، وكان الله في عون الشعب السوري الشقيق!.