استمع د. نسيم الخوري يجتاح الفيسبوك والتويتر والواتس أب والإنستغرام ومواقع التواصل الاجتماعي سبابات العرب وميادين واسعة تهدد بالخروج الخطر للضاد من الفصحى والعاميات بل منظومات القواعد إلى تشويهات هائلة تكاد تقتصر على الإيصال. ينتقل الكلام والتعبير بعربية مكسرة، محطمة، مختلطة بلغات أخرى، وشكلاً يكتبها الأولاد من اليسار إلى اليمين عندما يتهافتون. هذا الخروج من الحضارة والتراث والماضي إلى المشاعية تعززه وسائل الثقافة السريعة كما الفاست فود والخطوط المستقيمة العمرانية بدلاً من الحفر في الحجر والخشب. وتشيع الرطانة في الألسن، لتقع اللغات في مأزم حضاري كبير وكأنها صارت أدوات تعبير لا أدوات خلق وتفكير بما يجعلنا منصاعين لحاجات إعلامية وتواصلية وثقافية جديدة تتمايز وتنقطع تماماً عن الثقافة العربية. صار عمر التويتر عقداً كاملاً وتفشى الفتون العربي النخبوي به منذ عام 2006 ووصل عهده الذهبي في إبان الثورات العربية الهجينة. ما التويتر سوى اختزال القول وتكثيفه في عدد محدد من الأحرف الهجائية؟ أليست ثقافة العرب وحضاراتهم قائمة على أسس الاختصار والإعجاز الذي تجلى في القرآن الكريم حيث استقى الغرب منه، على الأرجح، ولو بالشكل، كيفية التعبير الذي تقتضيه حضارة الفاكس والصمت أو التقليل من الكلام؟ تأثرت اللغات من جراء التطور العلمي الحديث، وزادت حدة الصراع اللغوي بين لغة مؤثرة تملك مقومات القوة وأخرى متأثرة تفتقد كثيراً من عناصر القوة. هذا صحيح وواقع. ويمكن اعتبار اللغة العربية إحدى اللغات الحية التي تعيش صراعاً لغوياً مع عدة لغات، ساعدت على وجوده عوامل كثيرة ؛ خارجية فرضها الواقع المعاصر الذي تعيشه، وأخرى داخلية من صنع أهلها، يقومون بتغذيتها - شعروا أو لم يشعروا- من خلال وسائل أخرى متعددة وسلسلة من الانحدارات التربوية والتعبيرية والاجتماعية. بهذا المعنى، أنا المسكون بالعربية والمقيم فيها، يستفزني رصد ظهور أشكال لغوية تعبيرية جديدة طارئة تطمر مساحة العرب في الشاشات وكأنها تذبح اللغة العربية. هي مزيج من لغات متعددة مختلطة فرضتها التقنيات الجديدة، والسؤال إن كانت هذه المظاهر تراكماً بديلاً للغات المتداولة خصوصاً في ضوء النقص الحاصل في الدراسات المحلية التي تتناول العلاقة بين استعمال الموقع وتحولات اللغة وارتباط ذلك مع الواقع الاجتماعي والثقافي والحضاري. قد لا يتنبه الكثيرون إلى أن مستقبل اللغة العربية في خطر يعرض هويتنا وثقافتنا إلى أخطار جمة تجعلنا نعاني الخوف والرهبة من ضياعنا وتحولنا إلى مواد استهلاكية سريعة لا ثوابت لها ولا قيم ولا جذور. جل ما يهمها هو الانفتاح غير المدروس على الآخر واللحاق بعصر التايك آواي Take Awayأو بعصر اللايك. لكن المسألة التي تبقى أكثر تعقيداً أن مفرزات العولمة وأدواتها التي تملأ انتباهاتنا وسلوكنا، وخصوصاً على مستوى اللغات تجعل الظاهرة مرادفة لتلبد الغيوم في كبد السماء أو لارتفاعات في الحرارة أو سقوط المطر الذي يستعصي بل يستحيل حجبه وتأثيراته ونتائجه وصعوبة التخلص من الفتون به على مختلف المستويات. من يتحمل المسؤولية؟ وما هي الأسباب الآيلة إلى هذا الأمر؟ وما السبل الوقائية التي يمكن أن تساهم في الحد من هذه الآفة وعدم تفاقمها في المستقبل؟ وما هو دور وزارات التعليم العالي والتربية ووزارات الإعلام والمؤسسات التعليمية والأهل في معالجة هذه التشكلات الجديدة الموجودة؟ أسئلة عدة للتأمل والتفكير من السياسيين والتربويين والإعلاميين في الدول العربية المتعددة، وأيضاً برسم أجيال الفايسبوكيين والتويتريين لربما، هم منجرفون في نهر الكلام ولا يعون خطورة الوضع الحالي عندما تتحلل اللغات، فيجتهدون، فيما يتجاوز ما نحن فيه من معضلات، إلى التفكير للحفاظ على هويتهم في العروبة. نعم العروبة لأنها، بالرغم من جراحاتها أو تراجعها الحاصل، تبقى الحاضن المستمر لحفظ التنوع الثقافي واللغوي في عصر البحث عن التنوع البيئي والطبيعي الذي لولا التوازنات التي يولدها لانقرضت البشرية. أهو الطموح إلى إنقاذ اللغة التي ألهمت الشعراء والكتاب والتي تمثل ينابيع الإبداع والتفكير والتعبير أم هو الرغبة اللاواعية بإعادة نسج الشعور الوطني والقومي سعياً لنيل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية ولو أنها مصطلحات تكاد تفرغ من مضامينها الكلاسيكية؟