×
محافظة مكة المكرمة

“قادة التطوع” يدشنون فرع رابغ بفطور جماعي (صور)

صورة الخبر

قرأت مقالاً لرئيس تحرير جريدة الوسط منصور الجمري عنوانه بلد واحد.. ومجتمع واحد، وهذا فعلاً ما تحاول الدولة البحرينية بسلطاتها الدستورية الثلاث وكامل أجهزتها تجسيده واقعًا، ذلك أنه لا يمكن لبلد أن يضم إلا مجتمعًا واحدًا، وإن كان متعددًا، وليس مجتمعات، لكن ذلك يكون شبه مستحيل إذا لم يكن الولاء واحدًا أيضا للبلد أو للمجتمع. عنوان مقال رئيس التحرير، كما ترى قارئي الكريم، يحيل إلى تدبر الطريق لبناء مجتمع واحد في بلد يراد له أن ينقسم إلى مجتمعين. ولا أظن أن كاتب المقال يجهل أن وحدة البلد ووحدة المجتمع فيه لا يمكن لها أن تتحقق إلا بوحدة الولاء لهما، وهو ما لا نشاهده في سلوك مشايعي الجمعيات المذهبية ورجال الدين الذين يسيرون أمورها. فتداخل الولاء الوطني مع الولاء للخارج يكون سببًا في تقسيم المجتمع، ولا أظن عاقلين يختلفان على هذا الأمر. وجدت أن ما كتبه منصور الجمري ينقصه الحديث عن قيمة الولاء، أو الإشارة إلى هذه القيمة على أقل تقدير، فهي قيمة مهمة في تعديل العلاقات البينية في داخل المجتمع، لأن ركائز الهوية الوطنية معقودة عليها مرتبطة بها ارتباطًًا عضويًا، فمن دون ولاء لا معنى لانتماء، ومن دون الانتماء لا معنى للهوية. كان ما كتبه منصور الجمري حافزًا لي لكتابة هذا المقال، لأتناول فيه قيمة الولاء باعتبارها حاسمة لبناء مجتمع واحد تقوى به البلد، ويذهب بأجندات من يترصده بالتآمر وعدم الاستقرار إلى الجحيم. الولاء من أكثر المفاهيم وضوحًا في المعنى ولكنه من أكثرها تشويشًا لدى كثير من الناس، إذ أن بعضهم يؤثر، وهذه الطامة الكبرى، ولاءات فرعية على الولاء للوطن. وبحثًا عن معناها لغة وقعت على ما أثار ضحكي، فإلى جانب المعاني المعروفة للولاء مثل النصرة، والطاعة والإخلاص، وجدت أن من معانيه أيضا ما نصه جاءوا على ولاء. وليس المعنى هو ما أضحكني بطبيعة الحال، بل إني ضحكت لأن انتباهي شرد فجأة من شاشة الكمبيوتر متجهًا إلى قرية الدراز حيث جاءها البعض على ولاء، لكن إلى أين ذهب هذا البعض؟! ليس إلى إبداء ولاء للوطن ذهبوا، على أية حال، وإنما إلى من ولاؤه ليس للوطن، حجوا إلى ذاك الذي أثبتت وقائع ممارساته عداء صارخًا للوطن ورموزه الاعتبارية وتماسك نسيجه الاجتماعي، وهو عداء بلغ ذروته خلال الخمس سنوات الماضية التي كشف فيها عيسى قاسم أن ولاءه خالص للولي الفقيه دون سواه، فهو قبلته ومحجته وملهمه ومهجته، وإليه يدين بكيانه وحضوره عقلا وروحًا. في كل المجتمعات يعد خائنا أي إنسان ينتمي إلى وطن ما أو يكتسب جنسية هذا الوطن ويدين بالولاء إلى دولة أجنبية، أو إلى إيديولوجيا لا تخفي عداءها لبلاده مثل إيديولوجيا ولاية الفقيه وهذا، بحسب كل المعطيات، ينطبق على عيسى قاسم الذي عمل من دون كلل ولا ملل مع الأجنبي، وتحديدا الإيراني، لإلحاق الأذى بالدولة والمجتمع البحرينيين. لقد سخر علمه ومنبره لحرف ولاءات الناس وتغليب ولاءاتها الفرعية المذهبية على الولاء للوطن. أشك أن أحدًا يختلف معنا في أن الولاء، كل الولاء، يجب أن يكون للوطن أولا، ومن دون أن يخامر ذلك تردد أو تلكؤ أو تأتأة. هذه حقيقة بديهية لا يختلف حولها اثنان. إن الولاء للوطن مقدم على أي ولاء آخر، مهما كان شكل هذا الولاء.. لماذا؟ لأن الوطن بكيانيته الدولتية وبما لهذه الكيانية من سلطات هو الضامن لولاءات فرعية متعددة والحاضن لها والمدير لهوامش الاختلاف بينها في ظل المحافظة على قيم المدنية والمواطنة التي تمنح لكل منا الحق في أن يتبع الملة التي يرضاها بشرط الولاء للوطن وحده. فالدولة بهذا المعنى كيان رمزي علوي يحفظ كل الولاءات الفرعية ويصهرها في بوتقة الولاء الأكبر، أي الولاء للوطن الذي تأتي دونه بقية الولاءات الصغرى من قبيل: الولاء للدين، للمذهب، للأسرة، للعمل، للمؤسسة... إلخ، فإذا تجزأ ولاء المواطنين في أوطانهم من دون إطار جامع، وتشتت على حساب الولاء الوطني، صار من الصعب على هذا الوطن أن يوفر للولاءات الفرعية الأمن والاستقرار المنشودين، فترى المواطنين، إن اختل لديهم الولاء للوطن، يهرعون إلى ولاءاتهم الفرعية يلتمسون ما عجز الوطن عن تلبيته في نظرهم. بهذا المعنى هل يمكن أن يتقاسم أحد ولاءه للوطن مع الغير، كائنًا من كان هذا الغير؟ نقول نعم يمكن، ولكن لا ينبغي أن يطغى- أيا كان هذا الولاء- على الولاء للوطن. وإذا حدث فإن ذلك مقدمة لحدوث شرخ في الوحدة الوطنية، التي من أهم أركانها وحدة الولاء. في خضم الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين على مدى الخمس سنوات الماضية، شهدنا سرابية من كان يدعي ولاء للبحرين، نحن نصدع بهذه الحقيقة المؤلمة بعد ما لاحظنا أن مجموعات سياسية وإعلامية مؤدلجة قد أخذت على عاتقها الترويج تصريحا لإضعاف ولاءات المواطنين ذوي النفوس الضعيفة، هؤلاء المواطنون لهم قابلية الخضوع لسلطان صناع الفتاوى ومصدريها، وإعطاء الولاء المطلق لمصدر هذه الفتاوى والذي يكون ولاؤه بدوره لجهة أجنبية. سقم الحالة الاجتماعية الذي ينعكس على السياسة يكمن في إصرار البعض على تغيير وجهة الولاء بحيث يكون للمذهب وليس للوطن، وهذه أحد أهم الآفات المجتمعية التي لن يتعافى منها المجتمع إلا بعد أن تبلغ أفهامنا بأن الولاء للأوطان مقدم على كل الولاءات. الولاء الوطني على المحك اليوم يا سادة. الولاء الوطني منتج اجتماعي، حواضنه تربوية، الأسرة، المجتمع، المدرسة والإعلام بشتى صوره، أي أنه يكتسب ولا يورث في الجينات وإنما يورث تربية وتوجيها. ولعل القسط الوافر في ذلك يقع على التربية وهي من يشهد لها القيام بأدوارها التربوية المعقودة عليها، وكذلك الإعلام الداخلي، الرسمي والأهلي، الذي ينبغي أن يشحذ الهمم لمواجهة الإعلام المضاد المسؤول عن خلق الولاءات الضيقة والأجنبية، خصوصا بعزفه الذي لا ينتهي على مشاعر المواطنين حول المظلومية والتمييز والأقلية والأغلبية. على الدولة والمجتمع أن يعطيا مزيدًا من الاهتمام لتعزيز الولاء الوطني لدى المواطنين. فالولاء ينبغي أن يكون للوطن كما أسلفنا، ولهذا ينبغي على الحواضن أن تضاعف اشتغالها على تعزيز الولاء للوطن ليكون المجتمع واحدًا فيكون البلد بالتالي واحدًا.