ابتهجت كثيرا بالقرار الحكيم الذي أصدره سيدي خادم الحرمين الشريفين المتضمن إنشاء الهيئة العامة للثقافة في وطننا الغالي، وهي خطوة حكيمة في اتجاه تأسيس مجتمع المعرفة، وقد سبق لي أن ناقشت الفكرة وطرحتها في كتابي الموسوم (نحو مجتمع المعرفة: متطلبات التنمية الثقافية والأمن الفكري في المملكة العربية السعودية) الذي صدر عن نادي القصيم الأدبي، وأظن أن هيكل الهيئة العامة للثقافة في السعودية لابد أن تنبثق عنه المكونات التالية: أولا: المجلس الثقافي وأعني بالمجلس الثقافي: المجلس المختص برسم الخطوط العريضة للسياسة الثقافية في المملكة العربية السعودية بصيغة مشابهة لصيغة المجلس الاقتصادي الأعلى القائم حاليا مع مراعاة الفروق بين الثقافة والاقتصاد في المحتوى والمكونات والوزارات والمؤسسات المشرفة على عمليات التخطيط والإشراف والتنفيذ. إن المكانة العالية التي يحتلها الشأن الثقافي في قائمة اهتمام الدول لما له من مساس مباشر بالمصالح العليا للدول وتأثير على تقدمها وتنميتها واستقرارها جعل رسم السياسة الثقافية وبلورتها وتدبير الشؤون والقضايا الثقافية وإدارتها محوراً أساسياً لأعمال الحكومات ومسؤولياتها واختصاص الجهات العليا فيها، إذ تفرض المتغيرات في الأوضاع الثقافية المحلية والدولية، الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التركيز على بناء ثقافة متينة حسبما تقتضيه مصالح الدول. فتعدد الأجهزة الحكومية التي تتصل أعمالها بالشؤون والقضايا الثقافية وتنوع اختصاصاتها يقتضي تطوير الهيكل التنظيمي والترتيب الإداري لمنهج تناول الشؤون والقضايا الثقافية واتخاذ القرار نحوها من خلال أجهزة الدولة ومؤسساتها المختصة -بعد إحداث الأجهزة والمؤسسات- وبناء على منهج الدراسة والتحليل وبما يحقق التنسيق بين الأجهزة الحكومية والترابط والتكامل بين أعمالها ويستجيب لمتطلبات سرعة القرار في الشؤون والقضايا الثقافية وكفاءته، فغايات السياسة الثقافية للمملكة تقوم على ثوابت الدين الإسلامي الحنيف النابعة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والوعي الاجتماعي المنبثق عن مفهوم الثقافة الشامل. ثانيا: إنشاء البنية التحتية للثقافة وأعني بالبنية التحتية للثقافة: تشييد المقرات اللازمة لممارسة الأنشطة الثقافية المختلفة وتزويدها بكل ما تحتاجه من وسائل تكنولوجية مساعدة. إن الدعوة إلى إنشاء دور المسرح والسينما ليست دعوة إلى الانحلال الأخلاقي والتفسخ الديني إذا كان ما يعرض فيهما يقع ضمن المقبول شرعا فالمسرح والسينما أشبه بأجهزة استقبال البث الفضائي (الدشات) والجوال ذي الكاميرا والإنترنت كل هذه الأجهزة واجهت عند دخولها حربا شعواء شنها عليها المتعجلون في أحكامهم، وبعد مضي أقل من عام على دخول الدشات والجوالات ذات الكاميرا والإنترنت أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة أولئك المعارضين لها في بادئ الأمر ووسيلة من وسائل نشر المعرفة والثقافة والدعوة إلى الله. ثالثا: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وأعني بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب: مؤسسة ثقافية تهتم بالثقافة والفنون والآداب. رابعا: الهيئة السعودية العامة للكتاب وأعني بالهيئة السعودية العامة للكتاب: مؤسسة ثقافية تهتم بالكتاب من أجل تقريب المسافة بين الكتاب والقارئ وبين السعودية ودول العالم بما يقدم وجه السعودية الحقيقي إلى العالم ويعكس قيمتها الدينية والتاريخية والسياسية والأدبية والاقتصادية من خلال الكتاب الورقي والكتاب الرقمي فالكتاب وعاء الثقافة وميدان الفكر والعلم والمعرفة. إن الحاجة إلى إحداث الهيئة السعودية العامة للكتاب حاجة ماسة وملحة ومن أهم متطلبات التنمية الثقافية في المملكة العربية السعودية، ولعل ما ورد في التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية يشخص المشكلة بوضوح، إذ يشير التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية إلى أن عدد الكتب المنشورة في السعودية حسب الإيداع في عام 1428/ 2007 قد بلغ 2425 كتابا. وتشير هذه البيانات إلى: 1 - إن مجموع ما أنتجته السعودية في عام 2007 من الكتب المودعة في مكتبة الملك فهد 2425 عنوانا جديدا، وإذا عرضنا هذا الرقم على عدد السكان وجدنا أن كل 11134 فردا من السكان أنتجوا عنوانا جديدا وأصابهم عنوان جديد منتج. 2 - إن أكثر إنتاج حركة النشر السعودية خلال عام 2007 هو في العلوم الاجتماعية 1251عنوانا ونسبته المئوية إلى المنشورات 51.6% وتليه الآداب والبلاغة 404 بنسبة 16.7% ثم التكنولوجيا والعلوم التطبيقية والطبيعية والرياضيات 342 بنسبة مئوية بلغت 14.1% ثم الديانات 140 عنوانا بنسبة 5.8% من المنشورات ثم التاريخ والجغرافيا 137 عنوانا بنسبة 5.6% ويلاحظ أن رقم الكتب المنشورة في مجال التكنولوجيا والعلوم النظرية والتطبيقية أفضل من بلدان عربية أخرى ولكن معظمه ينصب على كيفية تكوين مهارات تطبيقية، ويلاحظ بعض التداخل في مواضيع العلوم الاجتماعية والديانات وعناوين بلغات عدة هي بين الاجتماعي والديني وقد أحصينا بين العناوين 129 عنوانا لكتب مترجمة. ويجري التقرير إحصاء خاصاً لحركة النشر في كل بلد عربي على حدة ثم يخلص إلى مقارنة النتائج التي توصل إليها في البلدان العربية مع بلدان أمريكا وأوروبا وآسيا ويقارن نتائجه مع النتائج التي توصل إليها في الدول العربية ويخلص إلى نتيجة خطيرة مفادها أنه إذا وزعنا مجموع الكتب المنشورة سنويا في العالم العربي على عدد السكان يكون لكل 11950 مواطنا عربيا كتاب واحد، بينما لكل 491 مواطنا إنجليزيا كتاب واحد، ولكل 713 مواطنا إسبانيا كتاب واحد، أي أن نصيب المواطن العربي من إصدارات الكتب يمثل 4% من نصيب المواطن الإنجليزي و5% من نصيب المواطن الإسباني، وإذا قمنا بقراءة هذه الأرقام قراءة مغايرة لما ورد في التقرير العربي للتنمية الثقافية سنصل إلى حجم المشكلة وذلك على النحو الآتي: مجموع الكتب المنشورة في السعودية حسب الإيداع في عام 1428/ 2007 يساوي 2425 كتابا، ولو افترضنا جدلا أن مثل هذا العدد صدر في الأربع سنوات السابقة لإعداد هذا التقرير فسيكون إجمالي عدد الكتب المنشورة في السعودية في خمس سنوات هو حاصل ضرب 2425 × 5 = 12125 كتابا وإذا كانت كمية الطبعة الأولى لكل عنوان من الـ12125 كتابا تساوي 1000 نسخة فإننا سنكون بإزاء 12٫125٫000 كتاب، وهذا الرقم مستبعد منه ما طبع من الكتب أكثر من طبعة ومستبعد منه ما نشر في السعودية من الكتب قبل عام 2002 وبعد عام 2007، فلو جمعنا كل ما نشر في السعودية بناء على آخر رقم ردمك صادر عن مكتبة الملك فهد الوطنية وأجرينا عليه المعادلة السابقة فإننا سنحصل على رقم فلكي من الكتب معظمها رهينة المستودعات، وبناء على تحديد المشكلة ومعرفة حجمها أطرح السؤال التالي: هل توجد في المملكة العربية السعودية قنوات لنشر وتوزيع هذه الكميات الكبيرة من الكتب؟ وإزاء الإجابة المعروفة لهذا السؤال أتصور أن إحداث الهيئة السعودية العامة للكتاب هو الحل. خامسا: اتحاد الكتاب السعوديين وأعني بالاتحاد: اتحاد الكتاب في المملكة العربية السعودية. وأعني بالكاتب: كل من يمارس مهنة الكتابة بمستوى فني مقبول في التأليف أو الترجمة في مجالات: الفلسفة، أو الشعر، أو القصة، أو المسرح، أو النقد، وله كتاب واحد مطبوع على الأقل. إن إحداث اتحاد الكتاب السعوديين يعد من أهم متطلبات التنمية الثقافية في المملكة العربية السعودية إلا أنه لم يولد بعد بالرغم من ولادة النظام الخاص بالاتحادات الرياضية في السعودية منذ عام 1407/ 1986 وهو نظام متكامل من الممكن سحبه بالكامل من ميدان الاتحادات الرياضية إلى ميدان اتحاد الكتاب بأن نستبدل بمفردة الرياضي مفردة الكتاب وقد صدر النظام الخاص بالاتحادات الرياضية في المملكة العربية السعودية، بالقرار رقم 226 وتاريخ 13/9/1407 بالموافقة على النظام الأساسي للاتحادات الرياضية... وتنص المادة الأولى: أن الاتحاد الرياضي لكل لعبة أو نشاط له علاقة بالرياضة يعتبر هيئة رياضية ذات شخصية اعتبارية تساعدها الدولة على تحقيق أهدافها ماليا. وتنص المادة الثانية على أن: يتكون الاتحاد الرياضي لكل لعبة أو نشاط رياضي من الأندية والأجهزة والمؤسسات التي لها نشاط ملموس في لعبة أو نشاط الاتحاد... إلخ. فالاتحادات الرياضية أبرزت صورة ووجه المملكة المشرق وعرفت العالم بالمستوى الرياضي للسعودية وقد كان من المفيد أن يرافق نظام الاتحادات الرياضية نظام للاتحادات الثقافية (كتاب) ليساهم إلى جانب نظيره الرياضي في إبراز الوجه الثقافي المشرق للسعودية. ولكي يتم تنفيذ هذه الأهداف لابد من وضع إستراتيجية واضحة للاتحاد وهذا يتطلب عدة أمور أهمها تكوين الجمعيات، والجمعية هي: مجموعة من الكتاب الأعضاء في الاتحاد الذين يمارسون نشاطهم في مجالات فكرية واحدة أو متقاربة. سادسا: صندوق التنمية الثقافية وأعني بصندوق التنمية الثقافية: مؤسسة ثقافية مالية تهتم بتقديم الدعم المالي للمشاريع الثقافية عامة. إن المملكة العربية السعودية تحفل بالصناديق الداعمة غير الربحية في شتى المجالات مثل صندوق المئوية وصندوق التنمية الصناعية وصندوق التنمية الزراعية وصندوق التنمية العقارية إلا أن الثقافة في السعودية لم تحظ بصندوق يدعمها ولما كان إعداد الصانع أهم من إعداد المصانع وإعداد الزارع أهم من إعداد المزارع وبناء الساكن أهم من بناء المساكن أو أن هذه الأمور في درجة واحدة من الأهمية نشأت الحاجة إلى إنشاء صندوق التنمية الثقافية على غرار صناديق التنميات: الصناعية والزراعية والعقارية.