عاد صديقي الياباني المسلم من الأرض المقدَّسة، بعد أداء العمرة وزيارة رسولنا الكريم، فكان بيننا اتِّصال على شبكة التواصل حدّثني خلاله عن الجديد الذي استرعى انتباهه في الحرمين الشريفين؛ حيث استيعاب الحرم المكِّي لما يزيد على مليوني متعبِّد يطوفون حول الكعبة ويسعون بين الصفا والمروة على مدار الأربع والعشرين ساعة. عدد لا يتوفَّر في بيت من بيوت العبادة على وجه البسيطة إلَّا في مكَّة المكرَّمة. ومع انبهاره بما رأى في الحرم المكي، إلا أنه أبدى بعض الملاحظات عن الواقع المعيشي، حيث الإيجارات الباهظة للغرف بالفنادق عمومًا والمطلَّة على الحرم خصوصًا، ومن الصعوبة أن تكون في متناول جميع الزائرين، لكن يبدو أنَّ العديد من الأثرياء المعتمرين الذين يؤمُّونها، يتباهون كأنَّهم في جولة سياحيَّة، لذلك تنتهز العديد من الفنادق هذه الفرصة لزيادة مدخولها على حساب مئات الألوف من المعتمرين الذين لا تسمح إمكانياتهم من الإقامة بجوار بيت الله الحرام، فيمضون الوقت داخل بيت الله الحرام، وفي ساحاته العديدة، حيث تصلهم وجبات الطعام على مدار الساعة، لتتحوَّل الساحات إلى مطاعم مجانيَّة يتزاحم عليها المعتمرون؛ الأمر الذي لم يستسغه صديقي الياباني. أمَّا في بيت رسولنا الكريم بالمدينة المنوَّرة، فقد بهره الانضباط والدقَّة في تجهيز سفر الإفطار بين صفوف المصلين، وعددهم يقارب المليون وخمسمائة ألف صائم داخل الحرم وفي الساحات المحيطة، يتناولون جميعهم وجبة إفطار خفيفة شهيَّة فيها ماء زمزم والقهوة العربيَّة والرطب والشريك ولبن الزبادي في دقائق قليلة تفصل بين الأذان وإقامة الصلاة. وبسرعة تفوق التصوُّر، تُرْفع مخلَّفات الإفطار وترصُّ صفوف المصلين لتأدية صلاة المغرب، أمَّا الراحة والطمأنينة، فحدِّث ولا حرج. وعن الثناء والتقدير، فقد خصَّ به التخطيط لإضافة مساحات جديدة للعبادة حول الحرم لتوفير سبل الراحة والعبادة لضيوف الرحمن. وفي تقديره أنَّ الحرمين الشريفين اليوم تحفتان معماريَّتان فريدتان من نوعهما. ومن حُسن الصدف تزامن زيارة صديقي مع زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز للمدينة المنوَّرة، وما تركته هذه الزيارة من ثناءٍ وتقدير شاهده في وجوه من كانوا حوله في صالة الفندق وأحاديثهم وهم يُتابعون نشرة الأخبار في منتصف الليل. وقد حدَّثه أحد أهالي المدينة عن الزيارات غير المسبوقة عددًا للملك سلمان بن عبدالعزيز لمدينة الرسول، وما يُرافقها في كلِّ زيارة من دَفَعَات تُعطي العاصمة الأولى للإسلام ما تستحقُّه من مكانة مرموقة بين مدن العالم، والتي لها تاريخٌ مُشرِّف في حضارة البشريَّة. ولا شكَّ في أن حرصه -حفظه الله- على ازدهار المدينة وتقدُّمها في المجالات كافَّة؛ كان وراء اختيار صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان أميرًا لمنطقة المدينة. وقبل أن ننهي المحادثة، اختتمناها بدعاء الأجر والثواب لكلِّ من عمل ويعمل في سبيل توفير الراحة والاطمئنان والرفاهية لطيبة الطيِّبة ولمن اختاره الله للسكن فيها بجوار الحبيبِ المصطفى عليه الصلاة والسلام. ومع تثمين حِرص المسؤول والمُشرفين على العناية بجوار الرسول، ندعو الخالق جلَّ وعلا: اللهمَّ أوعدنا ولا تحرمنا.