لقد كان حواراً مضطرباً، ففي بث تلفزيوني حي كان المحرر السياسي لمحطة «سكاي نيوز» التلفزيونية فيصل إسلام، يروي محادثة جرت بينه وبين أحد أعضاء البرلمان البريطاني من حزب المحافظين، المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث قال «قلت له: أين الخطة؟ هل نستطيع رؤية خطة خروج بريطانيا من الاتحاد الآن؟ أجاب عضو البرلمان: ليس هناك خطة، إن حملة الانفصال عن الاتحاد ليس فيها خطة ما بعد الانفصال، اذ إن رئاسة الحكومة يجب أن يكون لديها الخطة»، وانتقلت الكاميرا إلى المذيعة آنا بوتينغ، وكان الرعب بادياً على وجهها. وبقيت المذيعة وضيفها إسلام صامتين نحو ثانيتين، ومن ثم قالت المذيعة وهي تنظر إلى مكتبها «لا أدري ما أقول إزاء ذلك»، ومن ثم قطعت البرنامج وبثت بدلاً منه إعلاناً تجارياً. من الواضح أنه ليس هناك من هو قادر على أن يخطو إلى الأمام، ويقدم ما يطمئن البريطانيين. وانقضت نحو 60 ساعة منذ أن خرج رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من مبنى الحكومة داونينغ ستريت، وأعلن استقالته. وانخفض الجنيه الإسترليني، وتوقفت قرارات الاستثمار في بريطانيا، وتفكر شركات عدة في نقل أعمالها إلى بلاد أخرى. وقدم مفوض بريطانيا في الاتحاد الأوروبي استقالته. وثمة قضايا سياسية حساسة مثل إعلان تقرير شلكوت المتعلق برئيس الوزراء السابق توني بلير، والحرب على العراق، والقرارات المتعلقة بمدرج مطار لندن، وتجديد أسلحة الردع النووية البريطانية، باتت جميعها في حالة ضبابية. وأصبح القادة الأوروبيون يتنقلون برحلات مكوكية عبر القارة للقاء بعضهم، والتباحث حول ما يمكن القيام به في الخطوة المقبلة. وثمة أدلة داخل بريطانيا على تصاعد معدل الاعتداءات العنصرية، التي تنطوي على الخوف من الأجانب والمهاجرين، في حين أن اسكتلندا قررت إجراء استفتاء آخر من أجل الخروج من المملكة المتحدة. وربما يعاني الاستقرار السلمي في ايرلندا الشمالية من التهديدات. ويسيطر الفراغ على مكاتب كبار السياسيين البريطانيين، إذ ترن الهواتف فيها باستمرار، ولكن من دون أن يكون هناك من مجيب. ولايزال السيد كاميرون صامتاً منذ صباح الجمعة الماضي، وكذلك وزير المالية جورج أوزبورن، وكذلك الحلفاء الموالون لرئيس الحكومة، لم تخرج عنهم أي كلمة حتى الآن. وبمعزل عن البيانات المقتضبة جداً من مركز ناخبي الانفصال عن الاتحاد، فقد تجاهل قادة الانفصال وأهمهم محافظ لندن السابق بوريس جونسون، والبرلماني مايكل غوف، الأضواء والإعلام. والتقى جونسون أصدقاءه وحلفاءه، أول من أمس، في منزله قرب أوكسفورد، وهي الخطوة التي اعتبرها كثيرون بأنها محادثات حول نيته قيادة البلاد. ومن الطبيعي أن تستفيد المعارضة من هذا الصمت، حيث دعت الحكومة للتحرك مقدمة اقتراحاتها، لكن حزب العمال المعارض لديه ما يكفي من المتاعب، فقد استقال العديد من وزراء الظل، الأمر الذي اعتبر انقلاب منسق ضد رئيس الحزب عديم الفائدة جيرمي كوربين. ومن المقرر أن يعقد الحزب اجتماعاً يطالب به رئيس حزب العمال جيرمي كوربين بالاستقالة. ومن الواضح أنه ليس هناك من هو قادر على أن يخطو إلى الأمام، ويقدم ما يطمئن البريطانيين. ويعتقد أصحاب الانفصال الذين لم يتفقوا حول شكل خروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، إنه ليس مسؤوليتهم فتح الطريق الجديد الذي تسير فيه البلاد بعد الانفصال، وإنما هي مسؤولية حكومة كاميرون. ولكن هذا الأخير يبدو بأنه لم يفعل الكثير للاستعداد للحظة الخروج وهو يرى أيضاً إنه ليست مسؤوليته القيام بكل الأعمال الصعبة. وهذا الوضع يمكن أن يستمر لفترة ليست بالقصيرة، كما أن تنافس حزب المحافظين على القيادة يمكن أن يستمر إلى أكتوبر على الأقل وربما أبعد من ذلك. وربما أيضاً حتى يكون لحزب العمال قائد جديد. ويمكن أن يدعو رئيس الحكومة الجديد إلى انتخابات عامة. أي ربما يمر على بريطانيا نحو نصف عام قبل أن يكون لديها قائد قادر على معالجة الأزمات الكبيرة التي تعصف بها.