كان تفجيراً إرهابياً آثماً استهدف مسجداً في الكويت قبل عام بالتمام والكمال، لكنه قوبل بتعمير لقرى هندية كاملة وانتشالها من مستنقع الفقر المدقع. المسجد المستهدف بالتفجير كان مسجد الإمام الصادق الذي تخضب بدماء 26 شهيداً مصلياً في شهر رمضان الفائت، وفي المقابل فإن القرى التي جنت ثمرة التعمير كان من بينها قرية «واليبور» الفقيرة النائية في مقاطعة سلطان بور التابعة لولاية أوتار براديش الهندية. أما القصة ذات الدلالة فبطلها حارس هندي يدعى سيد رضوان وكان بين ضحايا التفجير، وصودف أنه رُزق في ذلك اليوم ذاته تقريباً بمولود وضعته زوجته تانجيم فاطمة في قرية «واليبور» في الهند. المواطن الكويتي هشام الفيلي كان من بين الناجين من ذلك التفجير الإرهابي، لكنه فقد واحداً من أعز أحبائه ألا وهو والده العجوز (حسن) كما أن صديقه المقرب داوود الناصر فقد أربعة من أبناء عمومته دفعة واحدة. لكن الفيلي وأقاربه وأصدقاءه لم ينشغلوا فقط بالحزن على مقتل ذويهم وأحبائهم غدراً، بل انشغلوا أيضاً آنذاك بالتفكير في أمور أخرى كان على رأسها أن يجمعوا تبرعات مالية لإرسالها كهدية إلى المولود الذي رُزق به الحارس الهندي البسيط سيد رضوان في يوم استشهاده. فلقد أرادوا أن يطيبوا خاطر أرملة رضوان. الصديقان الكويتيان، الفيلي والناصر، شرعا على الفور آنذاك في تنفيذ حملة خيرية عبر منصة «واتساب» لجمع تبرعات مالية لمساعدة ذوي الضحايا غير الكويتيين، وهي الحملة التي ناشدت جميع ذويهما واصدقائهما على أمل جمع بضع مئات من الدنانير لإرسالها إلى المولود في الهند. لكن مستوى الاستجابة للحملة كان سريعاً ومثمراً بغزارة أثبتت أن «تفجير الصادق» لم يثمر سوى «تفجير موازٍ» لنزعة الخير في قلوب الكويتيين الذين تسابقوا إلى التبرع إكراماً للحارس الشهيد وابنه الرضيع اليتيم وأرملته الفقيرة المكلومة. ونقلت شبكة «بي بي سي» عن الفيلي قوله إنه لم يتوقع آنذاك أن يتلقى ذلك السيل من التبرعات التي انهالت من أهل الخير، مشيراً إلى أن المبالغ التي نجح هو ومعاونوه في تجميعها آنذاك فاقت كل التوقعات بمراحل بعيدة. الصديقان الفيلي والناصر سافرا معاً بعد ذلك إلى الهند لزيارة أرملة الحارس وتسليمها جزءاً من تلك التبرعات لتتمكن من بناء منزل على قطعة أرض صغيرة كان الفقيد رضوان قد اشتراها قبل وفاته. لكن ما أن وصلا إلى القرية النائية حتى وجدا نفسيهما وسط مستنقع فقر مدقع لم يشهدا مثله من قبل، إذ وجدا أن الأرملة ورضيعها وجميع أهالي القرية يعيشون بلا أي أساسيات بما في ذلك مرافق الكهرباء والصرف الصحي ومياه الشرب الجارية. لذا فإنهما لدى عودتهما إلى وطنهما، الكويت، قررا إطلاق حملة جمع تبرعات ثانية تحت عنوان «واصلوا العطاء»، وهي التبرعات التي ما زالت مستمرة سواء من داخل الكويت أو خارجها، وأسهمت حتى الآن في تمويل مشروعات خيرية لـ«تعمير» قرية واليبور وخمس قرى فقيرة أخرى مجاورة لها، وهي المشروعات التي شملت تشييد مرافق خدمات وبناء مدارس وحفر آبار مياه علاوة على تخصيص معونات شهرية للسكان الأشد فقراً. وهكذا فإنه بعد مرور عام كامل على العمل الإرهابي الذي هز الكويت في شهر رمضان، يمكن القول إن «تفجيرالصادق» لم يؤد سوى إلى «تعمير صادق».