×
محافظة الرياض

حريق بالمبنى الرئيس لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

صورة الخبر

اطلعت على محاضرة الشدوي مدخل إلى المجتمع السعودي ، ولن أقف على كل ما جاء في المحاضرة بل سأقف على نقطة محورية واحدة أجدها تتكرر في كثير من طروحات الشدوي ، وهي تمجيد المجتمع الريفي القروي والعودة للزمن الجميل لذلك المجتمع في مقابل اللحظة الحاضرة الممتلئة بالفعل الإيدلوجي وحالة اللاستقرار التصنيفي للمجتمع ومؤسساته. ومما يلفت النظر حول هذه النقطة أنها تأتي دائما في شكل تماه مع الناقد معجب الزهراني الذي ربما ينطلق من أوليات مختلفة بالضرورة عن المجتمع المحلي وربما تكون ذات صلة بالمجتمع الأوروبي وحنينه إلى ثنائية (مدينة – ريف) ، وهو حنين يختلف في منطلقاته عن الحنين العام إلى الطبيعة وحياة القرية عند بقية الشعوب التي لم تصل بعضها حتى إلى مستوى المجتمع التقليدي دع عنك المجتمع الحديث. إن تمجيد الماضي القروي عند الشدوي والزهراني هو حالة هروب عن مواجهة متطلبات المجتمع الحديث والحداثة وما بعدها والارتجاع إلى ما قبل المجتمع التقليدي (خرافات القرية وأساطيرها) أو إلى المجتمع التقليدي (القرية). إن الوضع الذي يعيشه المجتمع هنا هو وضع غير مستقر عاصف بعواصف متذائبة يجري التحكم في ثباته من خلال العامل الإيديولوجي القصدي، ومن خلال التوازنات لا من خلال عقلنة المجتمع وتطويره المؤسساتي، ويعد الهرب إلى الماضي القاسم المشترك للباحثين عن حياة القرية وحياة ما قبل الطفرة (مجتمع تقليدي وما قبل تقليدي) الشدوي والزهراني وكثير من المثقفين غيرهما ، وللباحثين في النقد الثقافي الغذامي عن (القيم التي انبنى عليها الأدب الإسلامي في التراث) ، وللإيديولوجيا السائدة التي تمجد ماضيا بعينه وتنفي ما عداه . يا للهول إننا جميعا نغرق في (خبر كان). إن الوقوف ضد الإيديولوجيا بما هي لحظة حاضرة بقوة يكون من خلال لحظتين زمنيتين أخريين إما بتبني طرح ماضوي سلفاني يمجد حياة الأسلاف بمختلف الطرق حتى وإن ادعى في بعض أجزائه أنه يصل الماضي بالعقلنة والتحديث ، فهو ادعاء مجرد غير مبني على نظرية أو حقائق اجتماعية أو علمية وهو الطرح الغالب ، بل إن تماهي تمجيد حياة القرية وحياة البادية يمكن قراءته في ظل الصحوة الشعبية الحالية كآلية توازن يروج لها الشدوي والزهراني وآلية تخدير للوعي الذي يريد أن يستيقظ في دعوة مباشرة لما قبل الوعي أو لوعي تقليدي وفي عجز فاضح عن مواجهة الإيديولوجيا ومواربة إظهار التعارض مع اللحظة الإيديولوجية وإبطان التوافق في المصالح الآنية مما يندرج في النهاية تحت الرضا عن الفعل أو التواطؤ مع الفاعل. إن خلفيات المجتمع القروي الذي يروجان له ممتلئ بسوءات يصمتان عنها ولن أدخل في تفاصيل كثير من الظواهر الاجتماعية السلبية في المجتمع القروي الذي عادة ما يقترن الحلم الماضوي بالعودة إليه في مجرد الإشارة إلى الانتقاء لا إلى الحقائق والشمول والنسق والسياق. إن الزهراني حينما يتحدث عن المجتمع الريفي ربما قد يكون ذلك بتأثيرات أوروبا التي عاش فيها بما يكفي ليتشرب من أوضاعها ويتضلع من إكراهات وضعها الفكري والفلسفي إنما يهرب من إيديولوجية المجتمع الصناعي التفني الذي شيأ الإنسان مما جعل العودة إلى الريف محاولة لاسترجاع الذات في ظل مجتمع حديث له مفاهيمه وله ضروراته وأنساقه وله أدواته النقدية وله خياراته المستقبلية التي لايني في مراجعتها وتقويمها، ولكننا لا نعتقد أن الحال مع مجتمعنا الذي لما يدخل بعد أفق المجتمع الحديث يشبه تلك الحال، نحن هنا ما زالت مدننا ريفا ومازالت أخلاقنا قروية ولكن الجديد أن لدينا أدلوجة هي جسر التوازن الذي يحرص التنويريون قبل غيرهم على بقائه بل على العبور عليه بطريقتهم الخاصة. إنني فعلا أقف في حيرة من أمري بين حب الإنسان أي إنسان للطبيعة ولحياة القرية في بعض مظاهرها البسيطة وبين محاولة جعل ذلك تنظيرا وجزءا من وصف يدعي العلمية لتطورات المجتمع مثل ما يحاول به البعض الاستخفاف والتبسيط والحصول على التوافقية ورضا الجميع وصداقة الجميع بعيدا عن اشتراطات العلم وتطوراته هؤلاء تفاعليون اجتماعيون تقليديون وليسوا إلا ضد النسق الحديث إنهما في ظني يتحدثان عن نسق القرابة لا نسق الثقافات العليا.