ظافر جلود (دبي) لعل صناديق «الفرجة» من أبرز معالم «متحف دبي للصور المتحركة»، الذي يسعى إلى إعادة تقديم قصة تاريخ السينما منذ البدايات. هذه الصناديق التي عرفناها باسم «صندوق الحكايات» حين كنا نلهث لاكتشاف دواخلها وأسرارها في أزقة وشوارع مدننا، ويعود لها الفضل في تطور المشهد السينمائي البصري. والصندوق هو أقدم قطعة في المتحف، ويعود اكتشافه إلى عام 1750، حيث يقول الباحث والمؤرخ السينمائي أكرم مكناس مؤسس المتحف: «إن صندوق الفرجة أو صندوق الدنيا الذي كان الرجل يحمله على ظهره، ويدور به من مدينة إلى قرية، لم يعد له وجود إلا في الذاكرة العتيقة، لكن اسمه استمر، لأن كل تطور لاحق على الشاشة سمي أو وصف به، حتى ورث التليفزيون الاسم والصفة. فقد كان التلفزيون نفسه صندوقاً خشبياً، له بابان يفتحان ويغلقان، قبل أن يفقد شكله ويصير مسطحاً كما هو الآن. ويضيف مكناس: جلب التلفزيون الدنيا كلها أمام عيون المشاهد، فكان أيقونة القرن العشرين واختراعه العظيم، لكن لا عبارة تفي التلفزيون حقه، إلا تلك الأثيرية التي تقول إن ما بعده ليس كما قبله، فالتلفزيون في الأصل صندوق فرجة، وصندوق دنيا، وساحرنا الدائم، المشكّل لذاكرتنا المصورة، وألوان خيالاتنا. «اتفرج.. يا ولد.. اتفرجي يا بنت»، هكذا كان ينادي حامله ومشغله، ولأن ثمة ما يشبه مسرحاً كاملاً، ارتفاعه أقل من قامة رجل، وله عيون زجاجية سحرية، إذا نظر الأولاد من خلالها سُحروا وخطفوا إلى عالم آخر مواز، تتحرك فيه شخوص الزير سالم، والشاعر المقاتل، الهائم خلف حبيبته، وعبلته التي لم تأت امرأة بحسنها في الخيال.. وشهرزاد وملكها الكئيب.. وحكاياتها المتناسلة بعضها من بعض، فمذ بدأت الحكايات والعناصر هي نفسها: الحب والحرب، والبطولة والشجاعة، وتتفتح العيون لتلامس الصور وهي تتحرك وتنطق، ويقف الناظرون أمامها عاجزين. لقد كان صندوق الدنيا مذهلاً لمن رأوه، وعندما نحكي عن الشاشة الأم «الصندوق»، علينا أن نغرق في التخيل، إذا أردنا تلمس تجربة طفل تطوف به حواسه مذهولاً، وهو في مطلع قرن العجائب الفائت، يتطلع إلى مرور الرسومات أمامه، والحكاية تسقط عليه من فوق، حيث يقف الحاوي يدوّر بيده «المانفيلا» التي تجعل الصور تدور من أسطوانة إلى أخرى، ومع دوران الذاكرة يقف المرء أمام هذه التحفة الجميلة، مستعيداً جماليات لا تنسى، وذكريات زمن جميل.