×
محافظة مكة المكرمة

الجمال السائبة تحصد الأرواح على الطريق الساحلي

صورة الخبر

التفكير العقلاني من أهم البوادر الفلسفية في بلادنا شخصنة الموضوعات سلبية تؤخر حوارنا الحضاري الواعي الدين في أصفى معانيه يستوعب الثقافات ولا يتعارض معها النجاحات الجماعية في عالمنا العربي ينقصها التخطيط لا فائدة من التقدم الشكلاني دون مواكبة لمتطلبات العصر مجتمعنا يعيش أزمة وعي على مستويات فردية وجماعية د.محمد حبيبي الفلسفة في المجتمع السعودي مجرد تطاول على ثوابت المجتمع المجتمع السعودي انتقل من التحول إلى مرحلة المعايشة الخطابات المسيسة تتقنع بالدين وتفسد حياتنا وحواراتنا لدينا إخفاق في مشروعاتنا الثقافية والفكرية المؤسساتية لابد أن نؤسس لخطاب ما بعد نهضوي لمواكبة الطفرات المجتمع السعودي يعاني من أزمة هوية حقيقية د.عمر بن عبد العزيز المحمود اليوم ومع هذا السجال تقف المجلة العربية بعد مسيرة أشهر على مشارف انتهاء هذه المرحلة التي أرادت من خلالها كشف جوانب كثيرة في مجتمعنا السعودي عبر استضافة العديد من الأسماء التي تتابع المشهد وترصد كثيراً من تحولاته، ولا يعني هذا التوقف هو اختفاء هذه المساحة بقدر ما نطمح للمزيد من خلالها عبر ملامح جديدة ومحاور متعددة وفضاء أوسع ستكون عليه الصورة خلال الأشهر القادمة. ضيفانا لهذا العدد أكاديميان بارزان لهما اهتمام متواصل بقضايا عديدة من خلال مشاركاتهما وأبحاثهما المختلفة، طرحنا عليهما المحاور فكانت إجاباتهما متوازية أحياناً ومتقاطعة في أحيان أخرى.. فإلى تفاصل الحوار: تيار فلسفي سعودي الفلسفة كتيار ناشئ في السعودية كيف يمكن أن يكون في المستقبل، وكيف يمكن أن يتلافى ما وقعت فيه التيارات الأخرى من أخطاء أو هفوات على الساحة؟ د.محمد حبيبي: الفلسفة مصطلح يتكئ على مفهوم عميق بوصفه علماً قائماً وموجوداً في بلدان أخرى ضمن المناهج التعليمية والعلمية البحثية، ومن ثم نجد تجلياته التطبيقية على الحياة والمجتمعات الحاضنة له هناك. ولا أظن أنه يمكننا الحكم بكل بساطة أن ثمة تيار فلسفي موجود بالسعودية. حتى وإن وضعنا ذلك تحت وصف (ناشئ). فنحن حتى الآن ما زالت تخيفنا وتقلقنا الكثير من المصطلحات، وتثير التحفظات. لذا لا أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة إطلاق هذا الوصف (تيار فلسفي ناشئ) ربما المقصود بوادر التفكير العقلاني والحوارات المنطقية، أو وجود رؤى فلسفية فردية في عدد من القضايا المطروحة للنقاش والجدل لدى شريحة ما زالت محدودة النطاق تكونت لديها خلفياتها الفلسفية جرّاء القراءات الخاصة ببعضهم؛ أو استفادتهم أثناء دراستهم وتطبيقهم للمنهج الفلسفي بالخارج. د.عمر المحمود: لا أظن أن الفلسفة تعد تياراً ناشئاً في السعودية، ومن غير المنطقي أن نراها كذلك، ربما الناشئ اليوم هو وعي المجتمع بطبقاته المختلفة بها من حيث كونها تمثل منطقة مثالية للانطلاق والاختلاف والتصالح، لكن ما يقلقني هنا هو مستوى هذا الوعي وتسطيحه بشكل لافت عند كثير من الأقطاب المفكرة في المجتمع السعودي حتى غدت الفلسفة في رؤيتهم المسطحة هي مجرد التطاول على الذات الإلهية أو على ثوابت المجتمع ومسلماته. التحولات المجتمعية يعيش المجتمع وبخاصة في العقد الأخير عدداً من التغيرات على كافة المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فما أثر هذا الحراك المجتمعي في تشكيل الفكر السعودي، وما النتائج المؤملة من هذا الحراك للوصول إلى تشكل فكري ناضج؟ د.محمد حبيبي: الحراك والحوار الفكري المجتمعي أمر حيوي لأي مجتمع ولاسيما مجتمعنا الذي تربى لفترات طويلة على الرأي الأحادي ووجهة النظر الواحدة، لذا فالنتائج المؤملة من هذا الجدل والحراك على أقل تقدير تكمن في تحريك المياه الراكدة والقناعات الراسخة التي لم تعد تصلح لمجتمع صار يتلقى ثقافته ومعارفه من مصادر شتى. بما يجعل الفرد فيه يعتاد على طرح الأسئلة، والخوض في مناطق تعوده بالتدريج على الحوار والقبول بالمختلف الذي صار لديه بعض الإلمام به وبأنه ليس بالضرورة أن يتطابق دائماً مع وجهة نظره المسبقة. فالانفتاح الإعلامي ومنصات الطرح الاجتماعي جعلت الأجيال تتشارك وتتداخل في أطراف الحوار بكافة الشرائح والأسماء، المعروف والمغمور والعالم ونصف العالم، والمختص وغير المختص. ربما السلبية الأكبر هي لجوء بعض الأطراف إلى شخصنة الموضوعات وإعادة الانقضاض على بعض أطراف الحوار بما يتنافى وأدبيات الحوار الحضاري الواعي. د.عمر المحمود: التغييرات التي يعيشها المجتمع في السعودية على كافة أصعدته ومستوياته تبدو نتيجة طبيعية جداً للتحولات الكبيرة التي طرأت على العقل الجمعي وأسهمت في تقبله الكثير من التغيرات الحيايتة التي تأتي انسجاماً مع ما يحدث في العالم كله، ومن هنا فأنا متفائل جداً بأن المجتمع السعودي بدأ اليوم ينتقل من مجرد فكرة التحول والتغير إلى مرحلة المعايشة والإيمان بأن التغيير سنة ثابتة من سنن الكون والمجتمع ومن هنا يتأقلم معه ويتعاطى مع تبعاته بشكل صحيح وهذا بدوره سينعكس إيجابياً بلا شك على حركة الفكر وتعميقها في السعودية. خطابات متعددة إلى أي مدى يمكن أن يتقاطع الخطاب الديني مع الخطاب الثقافي؟ وحتى مع الفلسفي الظاهر حديثاً في الفكر السعودي، وما السبب في كون الخطاب الديني دائماً في أحد أطراف المعادلة في الحوارات الفكرية؟ د.عمر المحمود: الخطاب الديني الذي ينطلق من العقيدة الصحيحة هو منهج الحياة والمستقبل في هذا الوطن، لكن تسييس هذا الخطاب لدى بعضهم يؤدي إلى إرباك حقيقي لدى الناس في وعي هذا الخطاب والتفريق بينه وبين المنهجية الإسلامية الحقيقية التي تنظم الحياة بشكل مثالي، ومن هنا فحديثي عن الخطاب الديني الصحيح وهو ينسجم انسجاماً كاملاً مع الخطاب الثقافي المؤسس على أرضية فكرية صحيحة ونقية، ولذا فأنا لست قلقاً على هذا المستوى، ما يقلقني حقاً هو تلك الخطابات المسيسة التي تتقنع بالدين وتفسد كثيراً من حياتنا وحواراتنا. د.محمد حبيبي: التفكير بهذا المنظور يمثل شاهداً على واحد من منظومة الأشياء التي تربى عليها بوصفها منظورات أحادية. إننا حينما ننظر للثقافة بمفهومها الشامل نكتشف أنه لا توجد ثقافة بمعزل عن كون الدين جزءاً من مكونها الكلي والإجمالي. والعكس صحيح. فالدين الحق في أصفى معانيه هو الذي يستوعب الثقافات ولا يتعارض مع الأطروحات في كل زمان ومكان. لكن النظرة الجزئية والمنغلقة (جراء مخاوف مبالغ بها من الانفتاح) هي التي ترى أن الدين يمكن له أن يتأثر فتبدأ النقاشات المتصادمة مع كل عنصر ترى فيه تهديداً لنظرتها المحدودة للدين بأنه مجموعة سلوكيات تعبدية يمكن أن يبتعد عنها الممارس للشعائر في أي لحظة جراء تأثره بالتصورات المخالفة من وجهة نظر المحافظين المتخوفين. ولذلك يلجأ الطرف المتخوف إلى استنهاض الغرائز العاطفية لدى من كان ينظر إليهم على أنهم (العامة) ويحاول حشد مشاعرهم تجاه كل قضية جديدة بأنها دخيلة على المجتمع ويمكن لها أن تمس الدين وتهدد قيم المجتمع. وهذا ما يسبب التصادم المستمر نظراً لكون الرأي الديني المحافظ يرى في كل جديد تهديداً، مع أن الصواب هو محاولة احتواء الجديد وفق منظور خاص يستفيد منه ولا يجعل منه عدواً متربصاً. غياب المشاريع المؤسساتية ما مرد غياب المشاريع المؤسساتية الثقافية والفكرية الكبرى التي يمكن أن نجدها عند بعض الأفراد فقط؟ د.عمر المحمود: نحن مجتمع تأسس على ثقافة المبادرة الفردية لا المؤسساتية للأسف، وكي نغير هذه العقلية سنحتاج إلى وقت كبير وجهد أكبر، ومن هنا فمن غير المستغرب أن تخفق مشروعاتنا الثقافية والفكرية المؤسساتية، ربما نحن بحاجة ماسة اليوم إلى أن ندعم التوجه الوطني الكبير في تطوير مؤسساتنا والدفع بها إلى الأمام، ويمكن هنا أن نقتنص فرصاً نادرة في تطوير العقلية الثقافية والفكرية للمؤسسة بحيث يمكنها صناعة مشروعاتها بشكل مثالي وخلاق. د.محمد حبيبي: معظم النجاحات في عالمنا العربي رهينة بالفردية؛ وذلك يعود بشكل أساسي لغياب التخطيط بعيد المدى الذي يراعي النظرة المستقبلية إلى آفاق زمنية بعيدة لا يقل عمرها الافتراضي عن خمسين سنة. من هنا لا غرابة أن نجد النجاح النسبي الملحوظ في أداء أي مؤسسة قريناً ورهيناً بالفرد الذي يكون على رأس وهرم المؤسسة. ولو أن خطة ما موضوعة تنتظم أداء كافة المؤسسات لوجدنا أن النجاح سيضطرد بشكل متنام، فكل إدارة تأتي لتكمل جزءاً من عمل تراكمي، مستمر ومتواصل؛ دون أن يتأثر نجاح المؤسسة ومستوى أدائها بوجود (س) أو غياب (ص) من الناس عن هرم هذه الإدارة أو تلك الوزارة. ما بعد النهضة هل غاب الخطاب النهضوي عن قاموس كثير من الخطابات المختلفة والمتعددة في الفكر السعودي؟ د.محمد حبيبي: لا أعلم ما المقصود (بالخطاب النهضوي) فالمصطلح يعود إلى بدايات القرن إبان مغادرة الاستعمار للبلدان العربية؛ لكن إذا كان المقصود به الدعوة للتقدم والتطور والانفتاح للوصول إلى مستوى حياة العالم الأول فثمة عناصر مشتركة تنادي بها كل الأطياف للوصول إلى مستوى حياة أفضل. أما إن كان المقصود بالخطاب النهضوي هو الإشارة إلى التقدم العمراني والبنى التحتية للكثير من المشاريع التي نفذت وتنفذ، من قبل كل خطاب وفي كل حوار؛ فهذا من البديهيات المعروفة؛ التي تتجاوز ذلك إلى الأسئلة الأهم؛ ما قيمة التقدم الشكلاني دون نمو في مستوى الوعي الفردي والجمعي، ودون مواكبة لمتطلبات العصر التي اختلفت والتي وعاها خطاب الإصلاح الذي نادى به الملك في مختلف المجالات. د.عمر المحمود: أظن الحديث اليوم عن (خطاب نهضوي) يعد حديثاً بالياً ومنتهي الصلاحية، لقد تجاوزت المجتمعات هنا وفي العالم فكرة الخطاب النهضوي ويفترض أنها بدأت تؤسس لخطاب ما بعد نهضوي يبحث عن مواكبة الطفرات الفكرية والتقنية في العالم، لكن الأزمة الحقيقية أن المجتمع السعودي اليوم غير مهيأ ليتعاطى فكرياً وتقنياً مع متطلبات هذه المرحلة وذلك الخطاب. أزمة الهوية السعودية هل يعيش المجتمع أزمة الهوية؟ د.محمد حبيبي: المجتمع يعيش أزمة وعي على المستوى الفردي والجمعي نجمت عن الهوة التي تحققت بعد الطفرة، والتحول من مزيج أدبيات المجتمع القديم (مشيخة القبيلة والقرية وأعرافهما) باعتبارهما الضابط السلوكي الهام لكل شؤون المجتمع والحياة قديماً. والتحول إلى المجتمع الحضري المتمدن شكلاً لا جوهراً، مع غياب القوانين التفريعية المعمول بها في كافة المجتمعات المتقدمة. د.عمر المحمود: الهوية قضية شائكة جداً ومصيرية وتاريخية لصناعة المستقبل، وأنا أؤكد هنا أن المجتمع السعودي يعاني أزمة هوية حقيقية نظراً لأنه لم يستطع أن يوازن بين التحولات والطفرات الهائلة التي شهدها وبين كثير من قيمه ومسلماته التي بدأت تذوب شيئاً فشيئاً مع انغماسه بالمدنية الحديثة والمتلبسة بالتقنية، متناسياً أو غافلاً عن أن الاعتزاز بتلك القيم هو أساس الارتقاء في مستقبل الحضارة وقادمها. د.محمد حبيبي شاعر سعودي من مواليد منطقة جازان - ضمــد 1968م. حاصل على درجة دكتوراه الفلسفة في الأدب العربي (2003م). وهو أستاذ مساعد في الأدب العربي بجامعة جازان. صدرت له العديد من الدواوين الشعرية، منها: (انكسرتُ وحيـداً) و(أطفئُ فانوس قلبي)، 2003م، و(الموجدة المكيّة) 2007م، و(جالساً مع وحدك) 2013م. د.عمر بن عبد العزيز المحمود أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الإمام، معد ومقدم عدد من البرامج الإذاعية، كاتب أسبوعي في مجلة الجزيرة الثقافية، شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، صدر له كتابان: بلاغة البديع في جزء عم، والبحث البلاغي والنقدي في كتاب ابن معقل الأزدي، عضو في العديد من الجمعيات العلمية، استضيف في بعض البرامج التلفزيوينة.