صحيفة_وصف منذ مجيء الملك محمد السادس إلى سدة الحكم في المغرب عام 1999، بدأت السياسة المغربية نحو القارة الأفريقية تنتهج دبلوماسية تعتمد، عدا الجاذبية الاقتصادية ومشاريع الاستثمار، على ما يمكن تسميته بالدبلوماسية الدينية، من خلال مبادرات واتفاقيات تجمع المملكة بدول أفريقية، ظاهرها الدين وباطنها السياسة. ومن آخر ما لجأت إليه المملكة في هذا السياق، استحداث مؤسسة دينية تضم العديد من علماء الدين في البلدان الأفريقية، مثل مالي والكاميرون وساحل العاج والغابون وموريتانيا، سُميت بمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ومقرها مدينة فاس، والتي أولاها الملك المغربي عناية كبيرة، لجهة تمويلها واحتضانها والترويج لأنشطتها. يقول الخبير في الشأن الديني والسياسي إدريس الكنبوري، إن الدبلوماسية المغربية تلقت عدة ضربات في العقدين الماضيين، فيما يتعلق بموقعها في القارة الأفريقية، قبل وصول الملك محمد السادس إلى الحكم، بسبب الخلافات مع الجزائر في قضية الصحراء، وذلك منذ خروج المغرب من منظمة الوحدة الأفريقية عام 1982، احتجاجاً على اعترافها بالجمهورية الصحراوية ومنحها العضوية جنباً إلى جنب مع المغرب. تغيّر منظور المغرب لعلاقاته مع القارة الأفريقية بعد 1999، وجاء ذلك مصحوباً بتحوّلات دولية وإقليمية كبرى ويشرح الكنبوري، في حديث، أن المغرب كان يعيش شبه عزلة في القارة الأفريقية، في مرحلة كانت الشعارات الرائجة فيها هي الاشتراكية والجمهوريات، وكانت الجزائر تقدّم نفسها على أنها حاملة لواء الاشتراكية في المنطقة، كما وظّفت ثروتها من النفط والغاز في استقطاب عدد من البلدان الأفريقية تحت مظلة الدفاع عن العالم الثالث. ويشير إلى أن المغرب حاول منذ الثمانينات، بعد خروجه من منظمة الوحدة الأفريقية، توظيف الورقة الدينية أو الدبلوماسية الدينية كما يسميها البعض، فأنشأ مع السنغال رابطة علماء المغرب والسنغال عام 1985، وكانت رغبة البلدين أن تكون الرابطة بينهما بداية انخراط بلدان أفريقية أخرى، لكن ذلك لم يحصل، فباءت هذه التجربة بالفشل. وبعد عام 1999، يضيف الكنبوري، تغيّر منظور المغرب لعلاقاته مع القارة الأفريقية، وجاء ذلك مصحوباً بتحوّلات دولية وإقليمية كبرى، مرتبطة خصوصاً بظاهرة الإرهاب، إذ تحوّل الدين إلى عنصر فعال في العلاقات الدولية، مشيراً إلى أن المغرب لديه مؤهلات لا تتوفر في بلد أفريقي آخر، تجعله قادراً على إحراز نجاح أكبر في دبلوماسيته الدينية. ومن هذه المؤهلات، بحسب الخبير ذاته، تاريخ المغرب، ذلك أن عدداً من البلدان الأفريقية كانت تابعة للتاج المغربي عندما كان المغرب إمبراطورية عظمى، ما يعني أن هناك جذوراً ثقافية ودينية لا تزال موجودة، والعديد من الأفارقة ينظرون إلى الملك المغربي على أنه أمير المؤمنين ليس داخل المغرب بل حتى بالنسبة للأفارقة. ويضيف الكنبوري أنه خلال السنوات القليلة الماضية انتهج المغرب سياسة دينية قوية في القارة الأفريقية، إذ أشرف على تدريب أئمة ومرشدين من بلدان أفريقية، وأنشأ معهد محمد السادس لتدريب الأئمة والمرشدين يتلقى فيه طلبة أفارقة التدريب على الخطابة والإمامة والوعظ. وقدّم المغرب مساعدات لبعض البلدان الأخرى، مثل توزيع المصاحف وتجهيز بعض المؤسسات الدينية والمساجد، كل ذلك، يؤكد الكنبوري، جعل المغرب منخرطاً في الدينامية الجديدة لمحاربة التطرف في القارة الأفريقية، الأمر الذي مكّنه بالتالي من إعادة التموضع سياسياً في أفريقيا بعد عقدين أو ثلاثة من سياسة المقعد الفارغ. الوفي: استحداث مؤسسة محمد السادس للأئمة الأفارقة خدمة دبلوماسية للعالم بمجال التصدي للتطرف من جهتها، تعتبر نزهة الوفي، البرلمانية والقيادية في حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة المغربية، أن استحداث مؤسسة محمد السادس للأئمة الأفارقة، يُعدّ تصديراً لنموذج ديني مغربي صرف، وخدمة دبلوماسية كبيرة للعالم في مجال التصدي للتطرف والإرهاب. وتضيف في حديث ، أن مبادرة المغرب النوعية المتمثّلة في استحداث هذه المؤسسة الدينية لتدريب أئمة أفارقة، تتعدى مستوى الشراكة المغربية الأفريقية، والتي استجاب من خلالها الملك محمد السادس للطلبات المتعلقة بتدريب الأئمة والواعظين المنحدرين من الدول الأفريقية، إلى بديل وأطروحة للأمن الروحي بالقارة الأفريقية للتصدي للفكر الإرهابي. وتصف مبادرات المغرب في أفريقيا بكونها إسهاماً دبلوماسياً وجواباً دينياً علمياً أكاديمياً يجفف منابع الإرهاب متعدد الرؤوس، والذي ينتعش بشكل مقلق في القارة السمراء، بالنظر إلى مجموعة من الشروط الحاضنة له، وأهمها هشاشة الاستقرار السياسي وضعف التنمية، وفق تعبيرها.