خرجت بريطانيا قبل فترة قصيرة من معضلة انفصال إسكتلندا، وهي ما زالت تلاحق أنفاسها حتى ظهرت معضلة الخروج من الاتحاد الأوروبي التي ظلت جزءاً هاماً منه منذ بداياته. ومن البديهي أن في الاتحاد مع الجماعة قوة، وفي الانعزال الفردي ضعف، وهذه الأبجديات ليست غائبة عن بريطانيا التي كانت تسمى العظمى، لأن الشمس لا تغيب عن مستعمراتها من أقصى الدنيا لأدناها، ولكن هذا هو الوضع الحالي، حيث يريد بعض منهم الانعزال والتقزيم والتشرنق. إذا حدث الخروج، فهناك الطامة الكبرى التي تأتي بمخاطر عديدة على بريطانيا وكذلك على الاتحاد الأوروبي، وهذا سيلقي بظلاله على كل الاقتصاد العالمي. كما ذكرت فهناك مخاطر عديدة إذا حدث الخروج (بريكست)، وما يهمنا هنا وجود مخاطر قانونية عدة عويصة يجب على بريطانيا وشعبها مواجهتها بحنكة وصبر والعمل على امتصاص مردودها من أجل تجاوزها أو العيش معها في ضنك دائم أو إلى حين. والمخاطر القانونية هنا عديدة متعددة وشائكة لا يمكن تغطيتها في هذه العجالة، ولكننا سنلقي الضوء على بعض المخاطر القانونية التي ستتعرض لها بريطانيا مع منظمة التجارة العالمية (دبليو تي أو) والدول الأعضاء في هذه المنظمة. إن خروج بريطانيا سيكون وبالاً على بريطانيا من جهة، وعلى منظمة التجارة العالمية من الجهة الأخرى، وذلك نظراً لوجود العديد من الاتفاقيات والعقود المبرمة بين المنظمة وبريطانيا بصفتها الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، وخروج بريطانيا من الاتحاد (بريكست) يضع هذه الاتفاقيات والبرامج المرتبطة بها وحقوقها والتزاماتها، في مهب الريح، بسبب قرار الخروج الذي يشكل (فورس ما جير) وحدوث ظرف أو قوة قاهرة للدرجة التي تؤدي إلى إنهاء العقود والاتفاقيات وتوقفها في مكانها اعتباراً من تاريخ الخروج. وفي هذا مخاطر قانونية على بريطانيا وغيرها من الدول. ولهذا انعكاسات سلبية بعيدة على التجارة العالمية، خاصة وأن منظمة التجارة العالمية تهدف أساساً لسريان تدفق التجارة عن طريق إدارة الاتفاقيات المبرمة الخاصة بالتجارة، وتنسيق مفاوضات التجارة الدولية، وفض المنازعات المتعلقة بالتجارة، ومراجعة السياسات القومية المتعلقة بالتجارة الدولية..... الخ. وبريطانيا (العظمى) ظلت جزءاً أصيلاً من هذه المنظومة وفرداً فاعلاً في كل نشاطاتها... وكل هذا سينعدم بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وإذا حدث، فلا بد من جلوس بريطانيا ومنظمة التجارة العالمية للدخول في مناقشة آثار تبعات الخروج على كل محتويات ملفات المنظمة الخاصة ببريطانيا. وأول المعضلات أو المخاطر القانونية أن مدير منظمة التجارة العالمية قال إن بريطانيا ستفقد امتيازات التفاوض التي كانت تتمتع بها بصفتها عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهذا يصبح في العدم بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفقدان امتيازات التفاوض يشكل مخاطر قانونية لبريطانيا، لأنها لا تدري على ماذا ستحصل من المفاوضات، وهنا يبدأ الشد والمط وحدوث المنازعات والقضايا وجرجرة المحاكم والتسويات والتحكيم، وفي هذا ضربة لبريطانيا لها مخاطرها. وبصفة أولية، فإن الخروج من الاتحاد الأوروبي يحتم على بريطانيا في شكلها الجديد فرض تعريفة ضريبية إضافية على الواردات الأوروبية، لأنها أصبحت أجنبية، وهذا سيثقل كاهل المواطن البريطاني ومن يعيش في بريطانيا، وفي المقابل أيضاً فإن الصادرات البريطانية سيفرض عليها تعريفة ضريبية إضافية في الخارج في الدول الأوروبية، وهذا سيضر بالصادرات البريطانية وقد يخرجها من المنافسة بسبب زيادة السعر، وفي هذا مخاطر مهلكة، لأن ما يحدث سينجم عنه قلة التصدير وانهيار الشركات وفقدان الوظائف وفرض الضرائب وارتفاع الأسعار وهروب القروش وخروج الاستثمارات... وتكثر سكاكين تقطيع الثور الواقع. والوضع الجديد، بعد البريكست، الذي سيحدث على الواردات والصادرات البريطانية سينجم بسبب فقدان بريطانيا للترتيبات التفضيلية على التجارة الدائرة بين كل أعضاء الاتحاد الأوروبي. وفيما أوضحناه خسائر جمة على بريطانيا قد تقودها للتهلكة والخسران الاقتصادي المبين مما يزلزل أركان المجتمع في بريطانيا (العظمى). وهناك ميزة خاصة بعضوية منظمة التجارة العالمية، وهذه الميزة تتمتع بها بريطانيا فقط عندما تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهذه الميزة تمنح الدولة العضو في منظمة التجارة العالمية الحق في فرض نفس التعريفة الضريبية التي تفرضها أي دولة على وارداتها الآتية لها من أي مكان، ولكن اتفاقية منظمة التجارة العالمية تنص على استثناءات بمنح معاملات تفضيلية بموجب اتفاقيات تجارية بصفة منفردة أو إقليمية أو جماعية بين دول عدة. وبريطانيا بخروجها ستفقد هذه المعاملة التفضيلية. وهناك أمثلة أخرى عديدة منها، المفاوضات عبر الأطلسي للشراكة التجارية والاستثمارية الجارية منذ مدة بين الدول أعضاء المنظمة من جهة والولايات المتحدة من الجهة الأخرى، والخروج من الاتحاد الأوروبي سيفقد بريطانيا هذه الامتيازات التي ظل الاتحاد الأوروبي يعمل لها بشراسة لاصطياد بعض الغنائم من فك أمريكا. من المخاطر أيضاً، الدخول في عالم المجهول لسنوات عدة أو ما يعرف بمرحلة الشك أو عدم اليقين وهي المرحلة الحرجة التي تلي الخروج، وحتى الوصول لاستقرار الوضع الجديد. وفي هذه المرحلة يكون هناك شد وجذب وعدم استقرار يتضرر منه الجميع. ولتجاوز كل هذه المخاطر فإن الحكومة البريطانية تعمل بكل ثقلها لإقناع شعبها بالبقاء داخل الاتحاد الأوروبي، ولقد سعى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى الحصول على بعض الضمانات من الاتحاد الأوروبي بمنح بعض الخصوصية لبريطانيا حتى وهي داخل الاتحاد. وهذا بالطبع يعد إنجازاً له، ولكن أمر البقاء يعود لتقدير الشعب البريطاني الذي سيأتيك بعد حين بالخبر اليقين. *خبير قانوني