من يملك نصف فراسة وبعض الذكاء الذي يفرز بين الأسماء والألوان والوجوه يجد أن الأسماء قد لا تتطابق مع السلوك الفردي، فليس كل من يسمى بباسل ومناضل، ومجاهد، ومظفر وعنترة، يكون بطلاً وإنما هي عطاءات من الوالدين بالتفاؤل بشخصية البطل أو الكريم والرحيم، وقد تحمل هوية الإنسان في حالات المناداة، لكن العربي اعتاد أن يأخذ الاسم واللقب كرمز لقيم استمدها من سلسلة العادات والثقافة الشعبية حتى أن التراث مليء بقصص الأبطال والكرماء والشعراء، لكنها في مرحلة عربية بعد التحرر من الاستعمار والتبشير بوحدة عربية وبروز شخصيات حملت البطولة والعبقرية، وأمام دوافع سياسية صار الاسم دلالة على أدلجة الاسم كرمز لحزب أو اتجاه.. هناك من يتبارك بأسماء الصحابة ويتفاءل بها أو أي إنسان صالح، وهي تشبه إلى حد بعيد من يقرأ الوجوه والسلوكيات فيجد سمات البائس والمحتار والخبيث، والمحتال والضاحك والباكي، وهي مجرد تصورات قد لا تتطابق مع حقيقة الشخص، ولكنها انطباعات تتوجه بشكل تلقائي إعطاء أحكام تحدد قربك وبعدك عن الإنسان، حتى أن اختيار الرفقة والصداقة يأتي من جاذبية الشخص والتفاؤل معه فيما يسمى بالسحر السري للذات المقابلة لدرجة أن الخطيب أو الممثل، أوالمحاور قد يسجل حضوراً في أي دور يقوم به، ويتفوق على ذكاء إنسان آخر، وحتى في علاقات الحب والحياة الزوجية، والعدو والصديق، تلقى العامل النفسي يلعب دوراً غير عادي لكن ما سر أن نرى العربي يجد بالأسد والذئب والفهد رمزاً للبطولة والقوة، في حين يحتقر الحمار والبغل، ويقدس الحصان ويفاخر به مع أن بعض الحيوانات كانت أكثر منفعة في مسار حياة هذا الإنسان في بيئته وتاريخه؟.. دراسات اجتماعية وفلسفية ونفسية عالجت هذه الدلالات والرموز حتى أن البعض ينفر من اسمه لأنه خيار لا يتطابق مع رغبته ولذلك نجد في التراث الصيني يعطى الطفل اسماً مرحلياً، وعند البلوغ هو من يختار اسمه ليسجل رسمياً في وثائق الدولة، ولدينا في بلدنا العديد من الأشخاص من طالب بتغيير اسمه، أو اسمها لأنه يحمل صفة قد تكون مضحكة، أو تفهم على حالة تشاؤم أو لقب لحيوان أو حشرة أو إحدى الزواحف مثل «ضبيب، وخنيفس» وغيرهما.. لكل شعب تقاليد في خيارات عديدة بعضها مرتبط بحالات التفاؤل والتشاؤم، وهي سمة إنسانية تواترت مع التواريخ والتجارب وطبيعي أن يرتبط ذلك بمكونات كل شعب حتى قيل إن سكان السواحل أكثر هدوءاً من ساكني الجبال والصحارى، غير أن الثورات العلمية والتواصل الكوني بدآ يرسمان مساراً عالمياً آخر أي انكسرت حواجز الجغرافيا وعزلة الثقافة وخلقت مبادئ التعايش ليس على مبدأ العرق واللون والتاريخ، وهي عولمة شمولية لإنسان آخر ستكون القيمة للكفاءة أولاً وأخيراً.. قد يتهمني القارئ أنني أذهب به إلى موضوع خارج الهم اليومي ولكنها محاولة ابتعاد عن الحالة السياسية التي تمر بها منطقتنا أو مجرد خواطر لاستراحة الجمعة..