في حال اختارت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، فسيواجه الطرفان وضعا غير مسبوق يرغمهما على بناء علاقة جديدة فيها الكثير من أوجه الغموض، بعد "زواج" استمر أكثر من 40 عاما. وأيا تكن النتيجة، يعقد اجتماع خاص في بروكسل في 24 حزيران (يونيو) عند الساعة 08:30 بتوقيت جرينتش، يشارك فيه كبار المسؤولين الأوروبيين مثل رئيس الاتحاد دونالد توسك ورئيس المفوضية جان كلود يونكر ورئيس البرلمان مارتن شولتز ورئيس وزراء هولندا مارك روتي الذي تتولى بلاده الرئاسية نصف السنوية للاتحاد الأوروبي. ووفقا لوكالة الأنباء الفرنسية، فإنه حال أفضى الاستفتاء إلى الخروج، فإن كبار القادة الأوروبيين أمثال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند سيجرون عل الأرجح محادثات طارئة قبل ذلك. وإذا اتخذ القرار، سيترتب على لندن التفاوض بشأن "اتفاق انسحاب" يقره مجلس الاتحاد الأوروبي (يضم الدول الأعضاء الـ28) بأغلبية مؤهلة بعد موافقة البرلمان الأوروبي. كما يجدر بلندن تعديل تشريعاتها الوطنية لإيجاد بدائل عن النصوص الكثيرة الناجمة عن مشاركتها في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما في مجال الخدمات المالية. ونصت المعاهدات على آلية للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، أدرجتها في "بند الانسحاب" (المادة 50) الذي أقرته معاهدة لشبونة (2009)، إذ تحدد الآلية سبل انسحاب طوعي ومن طرف واحد، وهو حق لا يتطلب أي تبرير. ولا تعود المعاهدات الأوروبية تطبق على بريطانيا اعتبارا من تاريخ دخول "اتفاق الانسحاب" حيز التنفيذ، أو بعد سنتين من الإبلاغ بالانسحاب في حال لم يتم التوصل إلى أي اتفاق في هذه الإثناء، غير أن بوسع الاتحاد الأوروبي ولندن أن يقررا تمديد هذه المهلة بالتوافق بينهما. وإن كانت آلية الطلاق موجودة، فهي لم تستخدم حتى الآن، ما يثير تساؤلات كثيرة حول المفاوضات التي سيترتب إجراؤها لتحديد علاقة جديدة، بعد أربعة عقود نسجت علاقات متداخلة ومتشعبة ربطت المملكة المتحدة بباقي الاتحاد الأوروبي. وأوردت الحكومة البريطانية في دراسة رفعت إلى البرلمان في شباط (فبراير) "من المرجح أن يستغرق الأمر وقتا طويلا، أولا للتفاوض بشأن انسحابنا من الاتحاد الأوروبي، ثم بشأن ترتيباتنا المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، وأخيرا اتفاقاتنا التجارية مع الدول خارج الاتحاد الأوروبي". وتحدثت الحكومة في الدراسة عن "فترة تصل إلى عقد من الغموض"، ستنعكس على الأسواق المالية أو كذلك على قيمة الجنيه الاسترليني. ويقضي السيناريو الأسهل بانضمام المملكة المتحدة إلى آيسلندا أو النرويج، كعضو في "الفضاء الاقتصادي الأوروبي"، ما سيمنحها منفذا إلى السوق الداخلية. لكن سيتحتم على لندن في هذه الحالة احترام قواعد هذه السوق الملزمة، دون أن تكون قد شاركت في صياغتها، كما سيترتب عليها تسديد مساهمة مالية كبيرة. ويقضي سيناريو آخر بإتباع النموذج السويسري، لكن رئيس القضاة السابق في مجلس الاتحاد الأوروبي جان كلود بيريس الذي يعمل اليوم مستشارا رأى أنه "من غير المرجح أن ترغب بريطانيا في سلوك هذا الطريق". ولفت بيريس إلى أن سويسرا أبرمت أكثر من مائة اتفاق مع الاتحاد الأوروبي في قطاعات محددة تستثنى منها الخدمات، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي غير راض اليوم على علاقته مع برن. كما من الخيارات الأخرى المطروحة إبرام اتفاق تبادل حر مع الاتحاد الأوروبي، أو وحدة جمركية كما مع تركيا. وقال بيريس إنه إذا لم يتم إبرام اتفاق، فإن بريطانيا "ستصبح ببساطة اعتبارا من تاريخ انسحابها، دولة خارجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، مثل الولايات المتحدة أو الصين".