قالت هيومن رايتس ووتش اليوم الثلثاء (4 أغسطس/ أب 2015) إن على السلطات الليبية المسئولة عن سجن الهضبة في طرابلس التحقيق فورا في ما يبدو أنه سوء معاملة ضدّ محتجزين، منهم الساعدي القذافي، نجل معمر القذافي. وأوضحت "رايتس ووتش" أن مقطع فيديو مدّته 9 دقائق نُشر على موقع كليرنيوز الإخباري، في 2 أغسطس/آب 2015، يُظهر مسئولين وحرّاسا في سجن الهضبة وهم، على ما يبدو، يستجوبون محتجزين عدة ويسيئون معاملتهم، من بينهم الساعدي القذافي. وطالبت رايتس ووتش مسئولي السجن بتعليق عمل الحراس وغيرهم من الأشخاص الذين يُشتبه في تورطهم أثناء التحقيق. مضيفة "إن ثبت حصول المعاملة السيئة التي صوّرها مقطع الفيديو، يتعين على المدعي العام أن يبدأ فورا إجراءات تضمن محاكمة ذات مصداقية للمسؤولين عنها. الساعدي القذافي رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة منذ أن سلمته سلطات النيجر إلى ليبيا في 6 مارس/آذار 2014". من جانبه، قال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جو ستورك: "يُثير مقطع الفيديو، الذي يصوّر على ما يبدو تعرّض سجناء للضرب، مخاوف جدية من الأساليب المستخدمة في استجواب الساعدي القذافي وغيره من المحتجزين في سجن الهضبة. على سلطات طرابلس تحديد ما يحدث بالضبط، واتخاذ تدابير تضمن حماية جميع المحتجزين من الانتهاك، ومحاسبة كل شخص مسئول عن هذا النوع من الممارسات". يظهر في الفيديو الذي لا يحمل تاريخا عدد من الرجال، بعضهم في زي رسمي وبعضهم في ملابس مدنية، وهم يستجوبون الساعدي القذافي، الذي يمكن التعرف عليه بوضوح رغم أنه كان معصوب العينين أحيانا. في جزء من المقطع، كان الساعدي القذافي يستمع إلى صراخ رجلين آخرين على الأقل وهما على ما يبدو يتعرضان إلى الضرب خارج الغرفة، ثم أجبر على مشاهدة ذلك. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد هوية الرجال بشكل دقيق رغم أنهم على ما يبدو سجناء في الهضبة. مع نهاية مقطع الفيديو، يسأل أحد المحققين الساعدي القذافي إذا كان يفضل الضرب على رجليه أو على مؤخرته، فيجيبه قائلا: "ما هذا السؤال؟ على الرجلين". ثم قام المحققون بصفع الساعدي وضربه مرات عدة على أخمص قدميه اللتين كانتا مرفوعتين إلى أعلى، بينما كان هو ملقى على ظهره ومشدود إلى هيكل معدني فيه أنبوب بلاستيكي، جعله يصرخ من شدّة الألم. يُسمع الحراس الذين يظهرون في مقطع الفيديو وهم يهينون السجناء بألفاظ نابية. وفي لحظة ما من المقطع، يُسمع الساعدي وهو يطلب بعض "الراحة"، ويعدهم بالتعاون. ولا يظهر في الفيديو أي محام أو ممثل قانوني، بينما يبقى من غير الواضح إن كان للساعدي محام يمثله أثناء الاحتجاز. وحاولت هيومن رايتس ووتش الاتصال بمدير سجن الهضبة للحصول على توضيحات، ولكنها لم تتمكن من ذلك. كما لم تتمكن من التأكد من تسلسل أحداث مقطع الفيديو. في أبريل/نيسان 2014، بث التلفزيون الليبي الرسمي سلسلة من مقاطع الفيديو التي ظهر فيها الساعدي القذافي وهو يعترف بارتكاب جرائم على ما يبدو من داخل سجنه في طرابلس. كان الساعدي في هذه المقاطع يرتدي بدلة السجن الزرقاء، وهو يعتذر من الشعب والدولة على أي أعمال قام بها وربما تسببت في "زعزعة الاستقرار"، وطلب منهم "الصفح"، واعترف بأنه عمل ضدّ النظام السياسي القائم في البلاد، وتحدث عن علاقاته بشخصيات بارزة عدة في ليبيا قبل تسليمه من النيجر. في 28 يوليو/تموز 2015، أدانت محكمة جنائية في الهضبة 32 مسئولا سابقا بارتكاب جرائم خطيرة أثناء الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي في 2011. وقضت المحكمة بإعدام 9 من هؤلاء، بينهم سيف الإسلام، نجل معمر القذافي، وعبد الله السنوسي والبغدادي المحمودي وأبو زيد دوردة. كما قضت المحكمة بسجن 23 مسؤولا آخر لفترات تتراوح بين 5 سنوات والمؤبد، وبرّأت 4 متهمين آخرين، وأسقطت التهم الموجهة إلى متهم واحد وأحالته إلى مؤسسة طبية. وقالت هيومن رايتس ووتش إن المحاكمة كانت تشوبها مزاعم مستمرة وذات مصداقية بحصول انتهاكات حالت دون مراجعة قانونية مستقلة ونزيهة في محكمة الجنايات في طرابلس، بما في ذلك عدم الاتصال بحام ومزاعم تتعلق بسوء المعاملة. ويخضع سجن الهضبة لسيطرة قوات نائب وزير الدفاع السابق، الذي تتحالف قواته مع ميليشيات فجر ليبيا. يُساند هذا التحالف السلطة القائمة في طرابلس وأجزاء كبيرة من الغرب الليبي، التي تعارض الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، ومقرها مدن البيضاء وطبرق في الشرق، وتسيطر على أغلب المنطقة الشرقية. ودفعت النزاعات المؤسسات الليبية، بما فيها القضاء ونظام العدالة الجنائية، إلى حافة الانهيار. علّقت العديد من المحاكم ومكاتب النيابة وفروع المباحث الجنائية أعمالها بسبب تدهور الظروف الأمنية والاعتداءات ضد القضاة والمحامين وأعضاء النيابة. كما أن قدرة المحكمة العليا، المنعقدة في طرابلس، على توفير إجراءات محايدة، تخضع بدورها لتهديد الانقسامات الراهنة وتدهور الأوضاع الأمنية. المحكمة الجنائية الدولية لها تفويض حول جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية التي ارتُكبت في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011. ودعت هيومن رايتس ووتش فاتو بنسودا، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إلى التحقيق في الانتهاكات الخطيرة الحاصلة في ليبيا، والتي لا يشملها التحقيق الحالي الذي يقتصر على القضايا التي تعود إلى سنة 2011 المتعلقة بمسئولين سابقين في حكومة القذافي. ليبيا طرف في معاهدات دولية وإقليمية ترتب التزامات قانونية تتعلق بمعاملة المحتجزين. اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تلزم ليبيا بالتحقيق مع المسئولين عن التعذيب على أراضيها وملاحقتهم. يحظر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إجبار أي شخص على الشهادة بحق نفسه أو الاعتراف بالذنب. وتلزم اتفاقية مناهضة التعذيب الدول الأطراف بضمان عدم الاستشهاد بأية أقوال "يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب، كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال". قال جو ستورك: "لا توجد أي ظروف استثنائية يُمكن أن تبرر التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة. وإذا تم التحقق من محتوى مقطع الفيديو، فعلى سلطات طرابلس تحديد المسئولين وتقديمهم إلى المحاسبة بشكل سريع".